حميدة بالسعد (وفاء مطر)
كلمات مفتاحية : الموجات السلبيجابية / الظاهرة الكوتشية /المحرقة النوفمبرية / طائر الفينيق
التقديم :
حين تختزن تجربة بحجم محرقة، وحين تكون حياتك مِحْصلة لمحنة ومنحة وعالم من أمنيات مُؤجّلة، ورغم كل ذلك تُزهر وردةً من بين مفاصل صخرة… فاعلم أنك في حضرة رائدة من روّاد التنمية الذاتية والبشرية مجتمِعيْن !!!
أنا شقيقة الروّاد الحقيقيين الذين عاشوا التجربة ولم يقرأوا يوما عن مفردات “الموجات السلبية والإيجابية” ولا “التنمية البشرية”،،، هم فقط تمثّلوا الآية القرآنية {فَإنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً . إنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً} واستخرجوا منها نهجا للمقاومة !!
وفيما يلي استسمحكم بالتحدث بلسان “الأنا” الفخورة.
المتن :
1. أنا اختزن ذاكرة فنية لجيل تغنّى صباح الوغى بـ “تدلت الحبال لتشنق الرجال” ونزلتُ إلى ساحات الوغى وقد اخبرت أمي أن “ديني قد دعاني للجهاد وللفداء” مستشعرة أني من جيل “الفرسان إذا الخيل حمحمت ومن جيل الرهبان إذا حلك الدجى”.
ثم أُمسي على “رباعيات الخيّام” و “عيون ريتا العسلية” التي حالت دونها البندقية، واستشعر “طيب عناق جارة الوادي الفيروزية” وكم سهرت على موجات RTCI وكلاسيكيات جون داسان et son été indien ،،، ثم أزيد على الليل أو نصفه أو ثلثه أرتل قرآني وأنام على وضوء إستعدادا “لنومة كبرى مفترضة” !!
2. أنا اختزن ذاكرة شعرية توافقية، تعرّفت على أشعار مظفر النواب في ملابسات تشبه عمليات التهريب إذ كنا نتبادل أشرطة الكاسات خلسة ونمررها من تحت طاولات قسم المعهد،،، قرأت أيضا قصائد نزار القباني الغزلية والممنوعة في آن واحد،،، طرِبت لأداء الشيخ إمام التهكمي وانتشيت بكلمات أحمد فؤاد نجم،،، ولا وقت لدي آنذاك للتصنيف اليمين-يساري.. إصطفافي الوحيد كان للكلمة التي تُذكي فيّ رغبة الإنعتاق من ربقة الإستبداد المتعدد الأبعاد والعابر للحدود وللهويات..
3. أنا من جيل أسّس بنيانه الفكري على الرافد الإخواني في وجهيه البنّي والقطبي، ثم مررتُ من نقطة العبور التي أوصلتني إلى مشروع مالك بن نبي النهضوي، لأنفتح -بعد تمتين البنيان- على عالم رحب من مدارس الفكر الإنساني الملتزم،،، فقرأت لعلي شريعتي وأبو القاسم حاج حمد كتابه “العالمية الاسلامية الثانية” كتابه الأول في ذلك الوقت حتى أننا سميناه “بيضة الديك”، تعرفت أيضا سنة الباكالوريا على كتابات هربيرت ماركيز وميشيل فوكو وأعجبت بكتاباتهما،، إذ لم أكن / نكن في ذلك الوقت نكتفي بنصوص الكتّاب المبرمجة في الكتاب المدرسي فقط،، بل نقتفي آثارهم في المكتبات ومعارض الكتاب !!!
كانت قراءاتي كلها فكرية فلسفية (حتى أنني كنت الأولى في مادة الفلسفة في الباكالوريا وكان أستاذي حمادي العش يتلو فروضي في مادة الفلسفة على تلامذته في معهد نهج روسيا الحكومي،، وأنا بنت المعهد الخاص !!)… ولم يكن لدى حميدة وقتئذ إهتمامات أدبية روائية رغم أنها عاشت أكبر ملحمة روائية غير أنها عجزت عن تدوينها أدبا !!!
4. أنا أنتمي إلى جيل خضتُ بمعيته تجربة الالتزام والنضال ضد الاستبداد في سن المراهقة (17 سنة) ولمّا أبلغ من سنّ الرشد عُتِيّا !!
لم أعش ما يترتب “سلوكيا” عن سن المراهقة من فانتازم، متطلبات الأنوثة (لباس، أدوات زينة، عطورات، ماكياج..) ولست في وضع المتحسّرة إلى حد اللحظة عما فاتني من منزلقات المراهقة التي حفظني الهي من الوقوع في أوحالها.
خضتُ معاركي وقتها ببسالة الرجال وأنوثة النساء،، ولا علم لديّ آنذاك بجدل المترفين حول “الجندر” و “النوع” و “المساوات” بالتاء المفتوحة لأني ببساطة كنت أدرك أنها تاء مغلوقة !!!
تركت أمر التمعش بهذه الشعارات لقوم يأتون من بعد زمني، متأخرين بخيبات ووصمات عار على جبين تاريخهم البوليسي اللصوصي التآمري،،، عشتُ عصر النضال التراكمي الذي أزهر ثورة، ويعيشون عصر “النذال المابعد-ديسمبري”.. دعوهم إنهم مأمورون !!
5. أنا من جيل صقلته العذابات والمتاعب ولم تزده إلا إصرارا وتحديا،، حين كنت أتدبّر أمر “قفة” شقيقي السجين السياسي من منحة bourse الجامعة حتى أساهم مع والدي في نفقاتها لم أفكّر وقتها أن هذا الشقيق سيرث من والديّ ضعف ما سأرث لكوني أنثى،،، لأنه ببساطة لم تكن تحضرني وقتها -حتى بالمنطق الإستشرافي- جدل النخب المترفة حول المساواة في الميراث !!!
6. حين عطّلت آلة التعذيب النوفمبرية حواسّنا وحطّمت أحلامنا وكسّرت عظام كرامتنا وصادرت أرزاقنا على أمل أن نتحول إلى كيانات منكسرة محطمة معطوبة الأحلام… إبتُعثنا من رمادنا، ولم يكن البتة بسبب ما قرأناه في كتب التنمية البشرية لأنها ببساطة لم تكن موجودة حينها لأنها صودرت في ديوانة الثقافة الواردة علينا من مدن الأنوار !!
كانت صفحات كتب التنمية البشرية التونسية بيضاء، تنتظر فارسا من فرسان “المرحلة” يمتطي صهوة قلمه ويُحبّر الصفحات فتمتلئ بصاحبها وتحبل وتلد كتابا بحجم “منحة”.. تماما مثلما يوثق السجين السياسي تجربته بكل زخمها في “رواية” فتنضاف إلى “أدب السجون” !!
الخاتمة :
يا “كوتشات” الزمن الديسمبري قرِّيوا جيل ما بعد الربيع وفي أقصى الحالات مارسوا عليهم “الأستذة”،،، ولكن تواضعوا وأنتم تخاطبون من تحمّلوا قساوة الخريف والشتاء ليحملوا إليكم الربيع، واعلموا يا هداكم الله أن من بين مُخاطٓبيكم من خطّ لكم حروف الكتاب الذي منه تتلون أوراده التي خُطّت بدم وتقبضون ثمن وصْفاته.. نقدًا !!
الإمضاء:
المترنّحة الصامدة
المتراجعة العائدة
النهار المُطفأ الشاهد
من الثمانينات حتى زمن الربيع الديسمبري
حميدة بالسعد / وفاء مطر
رائدة من رواد التنمية البشرية بلا شهادة ورقية
تونس 6 من ديسمبر العظيم 2018
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.