يسارٌ عَجُول
لم تنتظر هيئة الدّفاع كلمة القضاء ولا مخرجات تحويل الملفّ إلى رئاسة الجمهوريّة ولا نتائج التفعيل الإعلامي وكسب الأنصار لروايتها، بل سارعت بشكل مثير إلى استباق كلّ ذلك والإعلان عن رفع قضيّة لحلّ الحزب الذي تستهدفه بالاتّهام، ممّا يدلّ على رغبة جامحة في فضّ الملفّ بأقصى سرعة ممكنة.
ربّما ترى الهيئة ومن فوّضها أنّ الانتظار وإعطاء الوقت الكافي للملفّ ليس في صالحها في سياق تعدّ فيه كلّ المكوّنات السياسيّة لاستراتيجياتها الانتخابيّة بينما اختارت مكوّنات اليسار وحلفائه وضع كلّ بيضهم السياسي والانتخابي في سلّة التنظيم السرّي المفترض لخصمها وهو في تقديرنا خطأ تكتيكي واستراتيجي فادح،
فقد كان أولى ترك الملفّ يأخذ مساره القضائيّ الذي يقتضيه الزّمن القضائيّ والانكباب على إعداد استراتيجيتها الانتخابيّة في زمن سياسيّ متسارع، أمّا رهن هذه بتلك وتعليق الأمل على إمكانية الحسم الجذري للصّراع من خلال هذا الملفّ الأمني القضائي مهما كانت قيمته فهو مقامرة قد تفضي إلى ما لا يستجيب للانتظارات والآمال العريضة المعلّقة عليه وما وقع إعداد القواعد نفسيّا له وما يمكن أن يؤدّي إليه ذلك من إحباط وخيبة يصعب تلافي نتائجها في خضمّ استحقاق انتخابيّ،
يجب أن يواجه اليسار وحلفاؤه الاستحقاقات السياسية والانتخابية بكلّ شجاعة ومسؤوليّة ورجولة بشكل منفصل عن الاستثمار العَجُول في ملفّ قضائيّ لا يمكن استباق نتائجه، يحتاج اليسار من أجل ذلك إلى كثير من النّقد الذّاتي والمراجعات والإصلاح والتّجديد،
البلد في حاجة إلى يسار اجتماعي وطني مناصر للحريّات والديمقراطية ملتصق بمصالح المهمّشين، يسار أشاد به ميشال فوكو ذات ربيع ووصف تجربته معه بالمدهشة، حيث اعتبر أنّ ربيع مارس 68 في تونس سبق ماي 68 في فرنسا وقال “لم يكن ماي 68 بفرنسا هو من غيّرني بل مارس 68 في بلد من بلدان العالم الثّالث” هذا اليسار يبدو بقي أثرا دون عين وفقد الوهج الثوري والخيال النضالي والمبادرة السياسيّة وتحوّل إلى جسم كسول خامل متواكل على أخطاء خصومه يستمدّ منها الشرعيّة والقوّة وشروط الوجود والبقاء.