ماذا يريد الرئيس ؟؟
عندما حذر لطفي زيتون مستشار رئيس حركة النهضة من ممكن تعطيل الاستحقاقات الوطنية وفي مقدمتها انتخابات 2019 ، كنتيجة مباشرة لنهاية التوافق بين الشيخين. استغرب الرأي العام النهضوي خاصة ذلك التصريح، ومنهم من شنع على الرجل على اعتباره من المعارضين لانتصار النهضة للشاهد في خلافه َ مع نجل الرئيس.
تطورات المشهد اليوم وبعد تزكية حكومة الشاهد يبدو انها تصدق بهذا القدر او ذاك تقدير مستشار الغنوشي يومها.
فمنذ ان مرت حكومة الشاهد الثانية على نصويت البرلمان، والبلاد تعيش على إيقاع الأزمة المفتوحة بين القصبة وقرطاج.
بعد الندوه الصحفية التي أعلن فيها الَرئيس بمرارة التسليم لارادة البرلمان بتصويته على حكومة الشاهد الثانية، علقت على حائطي الفايسبوكي ان الرئيس الذي يبدو انه قد سلم إلى الأمر الواقع، لن يقف مكتوفي الايدي وان ثقافته السياسية وتاريخه الشخصي، يرجح احتمال انه بصدد التحضير لهجوم معاكس قد يقلب فيه الرقعة على الجميع.
لم ينتظر الرأي العام طويلا، فقد تصاعد منسوب الضغط على الشاهد وعلى حليفه الجديد حركة النهضة، من طرف حزب النداء الذي ركز قصفه الإعلامي على الشاهد اولا، ووصل الأمر حد اتهامه بالانقلاب على الرئيس، وقدم أمينه العام شكاية رسمية للقضاء في خطوة صادمة دلالتها السياسية أخطر من مجرد تصعيد حيرة النداء الذي لم يهضم ان ترميه مآلات الأزمة بقسوة في مجهول التحول بين ليلة وضحاها الى حزب معارض لنظام سياسي تتربع على رئاساته الثلاثة شخصيات ندائية في مشهد سريالي تضيع فيه المعاني والدلالة في ثنايا الحقيقة.
في خط متواز تصاعد منسوب الضغط على حركة النهضة بملف في ظاهره قضائي وأمني وفي جوهره سياسي بامتياز، حيث تولت الجبهة الشعبية الشيوعية بزعامة حمه الهمامي مهمة تعودت عليها بعد الثورة وراكمت فنون إدارتها، وهي تطوعها الدائم للقيام بدور الوكالة في الحرب القذرة بالكذب والدعاية السوداء ضد غريمها العقائدي الخالد حركة النهضة.
فكانت قصة الغرفة السوداء في وزارة الداخلية والجهاز السري لحركة النهضة دورة جديدة في التدرب على فنون تزييف الحقيقة، والاعتداء الفاحش على أخلاقيات الصراع السياسي السوي. وعلى ذكاء الرأي العام المطلوب منه ان يصدق ان النهضة مسؤولة عن اغتيال سياسي سبق ان أغتال حقها الدستوري والسياسي في ادارة العهدة التأسيسية، وان يصدق أن وزارة الداخلية ومؤسسات الدولة متورطة في التستر على الذراع العسكري السري للنهضة، الى حد تأمين وثائق جهازها السري في غرفة سوداء بأحد طوابق وزارة الداخلية التي تداول على إدارتها ثلاثة وزراء في عهدة حكم نداء تونس.
رئيس الدولة لم ينتظر كثيرا لينخرط في معركة كسر العظام مع الشاهد والنهضة، فبادر في هذا الاسبوع بدعوة ولي العهد السعودي المشتبه في تورطه الجنائي المباشر في جريمة تقطيع الصحفي جمال خاشقجي ومعلوم ان ولي العهد مهندس سياسات المحور الإماراتي السعودي المعادي لربيع الثورات العربية وتيار الإخوان في المنطقة، وفي نفس اليوم وفي خطوة أكثر استفزازا وأكثر دلالة على اندراج مؤسسة الرئاسة في استراتيجية إسقاط السقف على الجميع بادر السبسي باستقبال ثلاثة أعضاء من لجنة الدفاع عن الشهيدين ليعلن بعد اللقاء قراره بعرض ادعاءات تلك اللجنة بتورط النهضة المباشر في اغتيال الابراهمي وبلعيد على مجلس الامن القومي الذي يترأسه.
ماذا يريد الرئيس؟
يبدو ان الباجي قايد السبسي قد إخنار أن ينتقم لما إعتبره إهانة من الشاب الشاهد واذلالا من حليفه السابق راشد الغنوشي، فسارع بثلاثة خطوات لا يمكن ان تأول الا ضمن هذا السياق، وهي على التوالي الدفع بتقرير الحريات والمساواة الى التصويت في البرلمان، ودعوة محمد بن سلمان، وادراج ادعاءات الجبهة الشعبية حول الجهاز الخاص للنهضة في جدول أعمال المجلس القومي للأمن أي تصنيف النهضة كخطر مباشر على الأمن القومي.
هذه الخطوات تؤكد ما ذهب اليه العديد من الملاحظين أن رئيس الدولة بصدد التلاعب بالمصلحة العليا للبلاد من أجل المصلحة الخاصة والحزبية.
وهو إذ يستسلم لنداء الانتقام لكرامته قد يدفع البلاد الى أخاديد الفوضى ومجهول سقوط السقف على الجميع.
وهذا يستدعي من الاطراف الوطنية المؤتمنة على المصلحة الوطنية المسارعة للوساطة وتذكير رئيس الدولة أن قرطاج التي كانت الى وقت قريب محضنا للمصلحة الوطنية وحكمة ورصانة منطق الدولة تتحول في كل يوم أكثر الى محضنا للتآمر على الامن القومي للبلاد ومصلحتها العليا.
هذا اذا بقي وقتا للوساطة والدعوة الى الحكمة والترفق بالتجربة والبلاد.
الثابت الذي تتداوله كل التحاليل النابهة ان تونس على شفا سحيق التهارج العام، ووباء الفوضى، وان الاستحقاقات الوطنية الملحة كتشكيل المحكمة الدستورية وانتخاب رئاسة هيئة الانتخابات، تبدو كما نبه الى ذلك مستشار الغنوشي في بداية الازمة بعيدة المنال.
وفي مناخ الحرب المفتوحة بين رأسي التنفبذي لا يمكن لأكثر المتفائلين أن يدعو الى الالتفات للمشاكل المتراكمة للتونسيين والتي يكثفها عنوان الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي “تكفل” اتحاد الشغل بمهمة تعميقها وتعفينها للأقصى، ليتقاطع موضوعيا مع إرادة الرئيس ونجله في أسقاط السقف على الجميع.
ويبدو أن تونس اليوم تحولت من استثناء في محيطها العربي، الى معجزة السياسة في العالم، فقد عرف تاريخ العالم دولا حكمت بالحديد والنار، وأخرى حكمت بالحرية، ويكتشف اليوم مع تونس ما بعد الثورة دولة تحكم بالعبث.
الرأي العام