التساوي في الميراث ومشروع العبث !
رئيس الجمهورية والذين حوله قد نجحوا أخيرا في إخراج مشروع ما سمي “بالأحكام المتعلقة بالتساوي في الميراث “للأغراض التي يريدون (؟) وذلك بعد المصادقة عليه في إطار مجلس وزاري (إستثنائي) إنعقد يوم الجمعة 23 نوفمبر الجاري بقصر قرطاج تحت رئاسة باعث المشروع وفي صيغة قانون أساسي يتعلق بإتمام الكتاب التاسع من مجلة الأحوال الشخصية بباب سابع مكرر.
ويبدو أن المشروع (ولو في قراءة أولية وطبق المعطيات المتوفرة لدينا) يستحق أن يوصف عن جدارة بمشروع “العبث” (لا من الوجهة الدينية والأخلاقية فقط التي غفل عنها مفتي الجمهورية ووزير الشؤون الدينية !) بل من نواح عديدة لعل أبرزها غياب الحرفية والإختصاص لدى من تجرأ (بتلك الصورة) على نظام الميراث الإسلامي وأحكامه المضمنة في الكتاب التاسع من مجلة الأحوال الشخصية.
ودون الدخول في الأحكام التفصيلية (التي تكشف جهلا واضحا سيؤدي لا محالة إلى إشكالات تطبيقية خطيرة !) يمكن أن نلاحظ أن المشروع قد إنبنى على “زعزعة” الإنسجام المرتبط بنظام التوريث الإسلامي وخصوصا الأحكام الواردة بالفقه المالكي التي تبناها المشرع التونسي في كتاب الميراث منذ صدور مجلة الأحوال الشخصية (1956). ويتضح ذلك أساسا :
1. في اعتماد المشروع على “الصبغة الإختيارية” لبعض أحكام الميراث مناقضا في ذلك الطبيعة الإجبارية للإرث وتعلقه بالنظام العام (إمكانية إختيار النظام الشرعي بشرط صدور تصريح من المورث في قائم حياته طبق ما ورد بالفصل 2 من المشروع).
2. في إيجاد إزدواجية (غير مبررة) لنظام التوريث من شأنها أن تفتح الباب لانشقاق المجتمع وذلك بقسمة التركات (الوطنية) على مقتضى أحكام متعددة وهو ما يتناقض مع توحيد التشريع في مادة الأحوال الشخصية وانطباقه على جميع المواطنين بقطع النظر عن معتقدهم (وذلك بعد إلغاء المحاكم الشرعية ومجالس الأحبار وتوحيد القضاء التونسي).
3. في إدخال قواعد ومفاهيم ومؤسسات (ذات منشأ خارجي) من شأنها إدخال الإضطراب على نظام التوريث الإسلامي وذلك في تعارض واضح مع الأحكام الشرعية (الواردة بالقرآن الكريم والسنة النبوية). ويمكن أن نشير في هذا الصدد إلى إلغاء قاعدة “للذكر مثل حظ الأنثيين” وهو ما أدى إلى “تحريف “الأنصباء المقررة للأولاد وأولادهم وللأبوين والزوجين والإخوة والأخوات وإلى إنشاء حق جديد لفائدة الزوج والزوجة هو حق السكنى بمحل الزوجية بعد الوفاة فضلا عن إقرار ما يسمى بحق الخلفية الإرثية (أو التمثيل الإرثي) لفائدة أولاد الأولاد (مهما كانت طبقتهم) والذي يقتضي توريث الفرع نصيب أصله من تركة جده أو جدته…
4. في استناد المشروع واستفادته من تشريعات أجنبية لا تتوافق مع خصوصية نظام التوريث الإسلامي وهو ما أدى إلى تلفيق الحلول القانونية و”استيراد” بعض الأحكام من القوانين الغربية (ومن بينها أساسا القانون الفرنسي) كقاعدة التساوي وحق الخلفية وحق السكني للباقي من الزوجين. ومن الواضح أن إقحام قواعد ومفاهيم خارجية لا تتناسب مع طبيعة النظام القانوني من شأنه إدخال الغموض والتناقض وإثارة الإشكالات عند تطبيق القانون أو تأويله.