الشاهد يبادر والنهضة قد تدفع الثمن
أعلن رئيس الحكومة يوسف الشاهد، عن التحوير الوزاري المرتقب منذ أشهر، وكان منتظرا أن يغلق قوس التردد فيحسم خلافه مع ابن الرئيس ويغلق صفحة الأزمة السياسية المفتوحة التي بدأت يوم رفض الشيخ راشد الغنوشي الموافقة على الفصل 64 من وثيقة قرطاج. والذي ينصص على ضرورة تغيير الحكومة، مما تسبب في قطيعة رسمية بين “الشيخين”، كان عنوانها على لسان الرئيس بنهاية التوافق.
كان واضحا منذ الانتخابات الجزئية في أمانيا أن حزب نداء تونس قد قرر فك الارتباط مع حركة النهضة، وكان رفض زعيم حركة النهضة لتغيير الشاهد فرصة لإعلان القطيعة مع النهضة، وان الخلاف مع الشاهد الذي هو بالأصل خلاف ندائي – ندائي، صدرته حسابات النداء إلي مونبليزير، لتصفية حساب قديم ومتجدد مع حليف الأمس القريب.
برز الشاهد في خطاب الندائيين كخائن لأمانة أستأمنه عليها السبسي، يوم أزاح حكومة الصيد واستدعاه لتحمل المسؤولية رغم صغر سنه وتواضع تجربته السياسية، ونجل الرئيس أتهمه الشاهد مباشرة ودون تلميح بأنه ليس خطرا على النداء بل خطرا على الدولة.
وكان واضحا ان الشاهد يومها قد أعلن العصيان و استعداده “للقتال” الى آخر نفس للبقاء في القصبة، وعدم الالتفات لسحب الشرعية عنه بعد دعوته للاستقالة او عرض نفسه للبرلمان لتجديد الثقة فيه من طرف “مشغله” الباجي قايد السبسي.
بعدها تشابكت خيوط الازمة وتعقدت أكثر بتركيز الدعاية المضادة على حليفه المباشر حركة النهضة، حيث دخلت الجبهة الشعبية اليسارية على الخط، واتهَمت مباشرة حركة النهضة بتورطها في اغتيال بلعيد والبراهمي، وامتلاكها لذراع أمني سري أشرف مباشرة على تصفية المغدوريْن.
كان واضحا أن ممكن التحالف بين ما تبقى من نداء تونس والجبهة الشعبية على قاعدة شطب الوجود السياسي للنهضة، هو خيط التعقيد الاساسي في مشهد سياسي، يتحرك بسرعة دون ان يغير موازين القوة ودون ان يصنع ديناميكية حل للأزمة التي بدت حزبية و بسيطة بين شقوق النداء وانتهت الى أزمة وطنية.
أزمة حادة بإحالتها على ممكن العودة بتونس إلى ما قبل لقاء الشيخين بباريس، وعادت الساحة الى خطاب التهارج الذي يذكر بصيف سنة 2013 ، يوم تعالت الأصوات لأسقاط النهضة بأية وسيلة وبأية كلفة استلهاما للنموذج المصري، الذي أطاح بالشرعية الانتخابية للإخوان بانقلاب عسكري ودموي ذهب ضحيته آلاف المدنيين في واقعة ساحة رابعة الشهيرة.
وفي الأثناء كانت الاشهر الست الماضية ، كافية للشاهد لتلتف حوله كتلة برلمانية وازنة تمكنه حسابيا من تمرير تعديله الوزاري، الذي طالبت به النهضة والاطراف التي لم يقنعها مسعى البحيرة وقرطاج لا زاحته من القصبة.
كل المستجدات التي أعقبت رفض زعيم النهضة الاستجابة لرغبة السبسي ونجله لتغيير الحكومة صبت في نهر الازمة وعمقت الشقة بين أطرافها ووقفت عقارب الوطن تنتظر “الشاب المتنطع الطموح” في القصبة ليعلن عن تشكيلته الحكومية الجديدة التي حافظت على مكونها الندائي وحزامها النهضوي واستجلب لها حزب المبادرة وحزب مرزوق وخرج منها حزب الشعب وشق نداء حافظ.
وضع التحوير الوزاري القصر في حدود خيمته الدستورية ودشن بداية أزمة غير مسبوقة سيحاول أنصار القصر ان يلبسوها قماش الدستور وسيحاول انصار الشاهد إدارتها ضمن حدود التجاذبات و المناكفات السياسية، في كل الحالات نحن أمام فصل متقدم في أزمة سياسية مفتوحة بين قرطاج والقصبة لن تترك هامشا للحياد وستنتهي باستيعاب مكونات المشهد واصطفافها وراء احد المعنيين بالصراع.
والثابت ان الازمة المفتوحه ستعقد طريق الوصول الى محطة 2019 فالوضع غير مريح للجميع ومزعج، فديمقراطية فتية لم تتعود ولم تمتلك تقاليدا في ادارة التعارض بين مؤسساتها السيادية، يخشى عليها ان تغرق في سحيق التفكير في الجمهورية الثالثه.
و يبقى ان نلاحظ وعلي مسافة من أفق التطور المأزقي للأزمة ، انه اذا قرأنا تواتر الأحداث بظاهرها فلا يمكن الا ان نطمئن اننا في قلب ملعب الديمقراطية ، واذا قرأنا ما يحدث بما “وراء الخبر” فان تونس مقدمة على ايام عصيبة الاكيد ان الحقيقة تكمن بين احدي القراءتين.
والاكيد أيضا أن الهيكل العام للمشهد هذا الصباح، يفصح عن سير القصبة وقرطاج في خطين متوازيين لن يلتقيا، و بينهما النهضة، التي قد تدفع الثمن في لعبة لا يتحكم أي طرف في مآلاتها، ولن تكون الا على حساب الوطن.
ظاهر المشهد أن الباجي بصدد الخروج من باب صغير منهكا ومهزوما، في خصومة مع شاب لا تنقصه الجرأة ولا الطموح ولا الصفاقة السياسية، أما في ما وراء الظاهر فيبدو أن الباجي لن يسلم لهزيمة سياسية فاضحة، وسيستعمل كل المتاح الدستوري والسياسي، في أفق يقول : “وان كان لابد من الخسارة فليخسر الجميع”.