صالح التيزاوي
بنى حزب النّداء وجوده على جملة من الأوهام والمغالطات، روّجت لها كتائب الإعلام النّوفمبري، من ذلك أن القادمين الجدد للحكم يمثّلون خطرا على مدنيّة الدّولة، وأنّهم منحازون لخيار العنف، واتّخذ الحزب وأذرعه السّياسيّة والإعلاميّة من حادثة موت “لطفي نقّض” رحمه اللّه، حائطا لمبكاهم. وكانت تهم “الإغتيال” و”السّحل” و”القتل خارج القانون” بداية الكذب المؤسّس لوهم “الإنقاذ”، كما كان حكم القضاء بداية الإفتضاح والإنكشاف.
لتليها كذبة أن حكومة التّرويكا بقيادة حركة النّهضة مسؤولة عن شبكات تسفير الشّباب إلى بؤر التّوتًر، ثمّ اكتشفنا لاحقا على لسان نائبة منهم أن الأطراف التي ارتفعت أصواتها مندّدة بتسفير الشّباب هي التي ربّما كانت ضالعة في تسفيره. ولمّا كشفت الأخبار العالميّة وجود كتيبة تونسيًة تحمل اسم الشّهيد البراهمي تقاتل إلى جانب نظام الإجرام في سوريا انبرت المعارضة “المدنيّة” تدافع بكلّ وقاحة عمّن حملوا السّلاح وانخرطوا في حرب دون علم من الدّولة التّونسيّة بذريعة أنّهم “شباب مؤمن بقيم العروبة”. بما يجعلهم فوق المساءلة بتهمة الإرهاب في حال عودتهم. ولم يكن الإرهاب الذي ضرب في تونس وحصد أرواحا من خيرة أبناء تونس من المؤسّستين الأمنيّة والعسكريّة وأدّى إلى اغتيالين سياسيين، لم يكن ذلك بمنأى عن التّوظيف السّياسي، حيث لم يتأخّر حزب النّداء ومعه حلفاؤه من اليسار وأذرعه الإعلاميّة في تحميل حكومة التّرويكا المسؤوليّة الأخلاقيّة والسّياسيّة.
والحال أنّ الإرهاب ظاهرة عالميّة معقّدة وعابرة للقارّات، ضربت في أعتى الدّول ولم نسمع دعوات إلى إقالة حكومات أو الإنقلاب على المؤسّسات والدّيمقراطيّات لأنّ ذلك هو مبتغى الإرهاب وصنّاعه. فتحوّل الإعلام سريعا إلى منصّات لقصف الثّورة وترذيلها وإبراز رموز الثّورة المضادّة (نداء تونس وتوابعه) في ثوب المدافعين عن هيبة الدّولة والمناضلين ضدّ الوافدين الجدد على الحكم والمنتصرين للفقراء الذين لم يعد في مقدورهم شراء اللّحم أو حتّى إدراك وجبة من “السّلاطة المشويّة” بسبب غلاء الأسعار، وأذرفوا الدّموع أمام عدسات الكاميرا أسفا على ما آل إليه وضع تونس تحت حكم التّرويكا، وكأنّها حكمت عشرات السّنين، ليظهر المتحيّلون الجدد وكأنّهم “مبعوثو العناية الإلهيّة” لإنقاذ تونس.
وكان قد أعلن مؤسّس الحزب إبّان الحملة الإنتخابيّة التشريعيّة والرّئاسيّة بأنهمّ يملكون من الكفاءات ما يكوّن أربع حكومات، وقالوا بأنّهم يملكون برنامجا إقتصاديّا “يدوّخ”، اشتغل عليه المئات من الخبراء. وما إن وصل الحزب إلى الحكم حتّى أغرق البلاد بمشاكله الخاصّة وانشقاقاته وصراعاته الدّاخليّة على المواقع وعلى الزّعامة بسبب المطامع الشّخصيّة وتباين المصالح، فتتالت الإنشقاقات والإستقالات التي شغلت الرّأي العام وأصبحت حديث الدّاخل والخارج وموضوعا للتّندّر وسبب ازدراء الحياة السّياسيّة والنّقمة على السّياسيين، وعطّلت مؤسّسات الدّولة، فيما بقيت مشاكل البلاد خارج دائرة اهتمامهم، ولمّا افتضح أمرهم وتبدّدت الأوهام، أرادوا ترحيلها إلى حكومة جديدة، يشغلون الرّأي العام بمراحل تكوينها، وببرنامجها المستقبلي، كما شغلوه بوثيقة قرطاج حتّى يبحثوا عن أوهام أخرى وأكاذيب أخرى في قادم الإستحقاقات الإنتخابيّة، شعارهم في ذلك: “احييني اليوم واقتلني غدوا” ولم يتعلّموا من دروس التّاريخ أنّ الكذب حباله قصيرة وأنّ الأوهام لا تصنع أحزابا قويّة كما أنّ الخطاف لا يصنع ربيعا.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.