لماذا يريدون إنهاء المرزوقي ؟
صالح التيزاوي
تفاجأ الرّأي العام في تونس بموجة استقالات في “حزب حراك تونس الإرادة”. وهي استقالات لافتة في حجمها وفي نوعيّتها وفي توقيتها. فما هي البواعث ؟ وماهي التّداعيات؟
من حيث الحجم، تبدو كبيرة، لم يسبق أن حدث مثلها من قبل في حزب من الأحزاب، ومن حيث نوعيّتها، فأغلب المستقيلين هم من الصّفّ الأوّل في الحزب والفاعلين فيه والمقرّبين من مؤسّس الحزب الدّكتور المنصف المرزوقي. أمّا من حيث توقيتها فقد جاءت في الوقت الذي بدأ الرّئيس السّابق تحرّكا نشيطا لإبطال أحكام الإعدام الجماعي التي أصدرتها محاكم النّظام الإنقلابي العسكري في مصر ضدّ معارضي الإنقلاب. كلّ هذه المعطيات تجعلنا نتساءل عن دوافع الإستقالة الجماعيّة وعن أهدافها.
ما هي مبرّرات الإستقالة؟
يقول أصحابها بأنّهم “اكتشفوا” أن مؤسّس الحزب يعمل ضمن محور “تركيا وقطر” وأنّه لا ينتقد حركة النّهضة بما فيه الكفاية. لا تبدو مبرّراتهم مقنعة لأنّ الدّكتور المرزوقي لم يكن في يوم ما منحازا لمحور معيّن إلّا بقدر انحيازه لمسألة الحقوق والحرّيّات التي يرفض المساومة عليها، وظلّ وفيّا صفيّا لها وهو يكافح ضدّ استبداد المخلوع وهو في السّلطة رئيسا للجمهوريّة وهو اليوم في المعارضة. فهل من اللازم أن يتصادم مع تركيا ومع قطر أو مع غيرهما طالما لا تشكّلان تهديدا للحقوق والحرّيات وطالما لم تنخرطا في الثّورة المضادّة؟ مبرّرات في منتهى السّخف تخفي وراءها تموقعا جديدا وخدمة لمحور آخر قد يتكشّف في قادم الأيّام.
جدير بالذّكر أنّ محور الشّرّ المعادي لثورات الرًبيع العربي مافتئ يخسر أذياله في تونس الواحد تلو الآخر، وكلّما قطع ذيل من أذيالهم بحث عن آخر.
لماذا التّعاطف مع المرزوقي؟
جرت العادة أنّ عموم النّاس وخاصّة في تونس يتعاطفون مع المستقيلين ويلتمسون لهم المبرًارات سخطا على الأحزاب التي ضيّعت الثّورة وأهدافها ولم تقدّم ما يشفع لها عند عموم النّاس. أما في حالة حزب الحراك فإنّ التّعاطف جاء مع مؤسًس الحزب على غير المعتاد لثبات الرّجل على مبادئه وانتصاره المطلق لمسألة حقوق والحرّيات ومن ثمً انتصاره لثورات الشًعوب العربيّة ومعاداته المطلقة لنظم القمع والإستبداد التي ابتلي بها الوطن العربي. وفي هذا الإطار يتنزّل حراكه مع المنظّمات الحقوقيّة في العالم لإبطال أحكام الأعدام في مصر وليس في ذلك ما يعيب الدّكتور المرزوقي بقدر ما ينال من مصداقيّة المستقيلين.
ما هي تداعيات الإستقالات؟
قد تؤثّر الإستقالات في الحزب على المدى القريب وفي قادم المحطّات الإنتخابيّة ولكنّها لن تؤثّر على شخص المرزوقي، فهي أشبه بعواصف الخريف، تأتي على الأوراق الصّفراء الآيلة للسّقوط لا محالة. أمّا الأعواد فتبقى قائمة، صلبة، بعد أن تخلّصت من زوائدها، تنتظر مواسم الإخصاب لتورق وتزهر من جديد. أمّا المستقيلون فقد يتّجهون إلى تكوين حزب جديد ولكنّهم لن يلبثوا حتّى يتفرّقوا من جديد لكونهم ينحدرون من آفاق مختلفة كاختلاف مصالحهم وإذا أرادوا الإنضمام إلى “تيّار الغموض بسلامته”، لأنّه الأقرب إلى أهوائهم فلن يقبلهم بصفة جماعيّة خوفا من الإنقلاب عليه ولأنّه جرّب قبلهم إضعاف المرزوقي لمّا انشقّ عليه في وقت مبكّر.