ورقات من كنّش الهجرة النبوية
عبد القادر عبار
في تصفّح ورقات كنّش الهجرة النبوية تقابلنا عدة عناوين ورؤوس أقلام منها :
1. الهجرة.. هي حركة وانتمـاءٌ
يطلّ على المسلمين غدا يوم من أيام الله في نسخته الأربعين بعد المائة الرابعة عشر (1440) ليذكّرنا بالحركة النبوية المباركة التي قام بها الرسول وأتباعه والمتمثلة في قطع مسافة (500) كم من مكة إلى يثرب مشيًا على الأقدام آو عبر وسائل النقل المتاحة في زمانه، وترك الوطن (مكة) والتخلّي عن كل الوسائط المادية، كبرهان على صدق الانتماء الفعلي للحق.. هذه الحركة / الحدث كانت الحد الفاصل بين مرحلة الاستضعاف التي دامت 13 عاما ومرحة البناء والتنمية والتمكين والتألّق العالمي. فالهجرة النبوة هي الموقف العملـي الحركي لصدق الانتماء إلى الإسلام والانخراط الفعلي في الدعوة.
2. أطلس الهجرة
أطلس الهجرة الذي سلكه الرسول وخريطة تنقل الموكب النبوي تمثل في الانطلاق من بيته بمكة إلى غار ثور (حيث مكث 3 أيام للتمويه) ثم الى خيمة أم معبد (كاستراحة مسافر) ومنها إلى قباء حيث مكث ضيفا 14 يوما.. ثم إلى المدينة (المستقر).
3. أولى انجازات الهجرة :
• ـول انجاز ما قام به الرسول وهو يستقر في وطنه الجديد هو أمره بإجراء إحصاء للمسلمين في المدينة وقد أظهرت النتيجة أن عدد المنتمين للإسلام فيها هو (1500) نسمة وهو عدد لا يستهان به في ذلك الظرف.
• ثم أسس المسجد النبوي وكانت مواد البناء محلية ودامت الإشغال 12 يوما وكان هو صلى الله عليه وسلم من بين العمال.
• ثم أنجز العقد الاجتماعي “الأخوّة” بين المهاجرين والأنصار.. واتبعها بوثيقة التعايش السلمي بين يهود المدينة والمسلمين.
4. الأوائل والأواخر
• كان أول من هاجر هو أبو سلمة بن عبد الاسد.. إثر عودته من الحبشة.. آذته قريش فلم يتحمل فقرر الهجرة إلى المدينة إثر بيعة العقبة.
• وآخر من هاجر “العباس بن عبد المطلب”.. لقي الرسولَ في الطريق عام الفتح (في السنة ?) فقال له الرسول يا عباس أنت آخر المهاجرين وأنا آخر الأنبياء.. ولا هجرة بعد الفتح.
• أول مولود للمسلمين بعد الهجرة.. من المهاجرين “عبد الله بن الزبير” ومن الأنصار “النعمان بن بشير”.
• آخر من توفي من المهاجرين أسماء بنت أبي بكر سنة 73 هجري بعد أن بلغت 100 عام من العمر.
5. الخيارات التي كانت معروضة أمام الصحابة :
كانت القضايا التي كان يمكن أن يؤرخ بها الصحابة أربعة: مولده ومبعثه وهجرته ووفاته، فرجح عندهم الهجرة؛ لأن المولد والمبعث لا يخلو واحد منهما من الخلاف في تعيين السنة، وأما وقت الوفاة فأعرضوا عنه لما يتوقع بذكره من الأسف عليه، فانحصر في الهجرة، وإنما أخروه من ربيع الأول إلى المحرم لأن ابتداء العزم على الهجرة كان في المحرم، إذ البيعة وقعت في أثناء ذي الحجة وهي مقدمة الهجرة، (بيعة العقبة الكبرى كانت في ذي الحجة من العام الثالث عشر للبعثة)، فكان أول هلال استهل بعد البيعة والعزم على الهجرة هو هلال المحرم، فناسب أن يجعل مبتدأ، وهذا من أقوى ما يوقف عليه بصدد مناسبة الابتداء بالمحرم.
6. الاستئناس بالقرآن في اختيار التّأْريخ بالهجرة
أفاد السهيلي رحمه الله في (الروض الأنف) أخذ الصحابة رضي الله عنهم التأريخ بالهجرة من قوله تعالى: “لمسجد أسس على التقوى من أول يوم” (وهو مسجد قباء)، لأنه من المعلوم أنه ليس أول الأيام مطلقاً، فتعين أنه أضيف إلى شيء مضمر، وهو أول الزمن الذي عزّ فيه الإسلام، وعبد فيه النبي صلى الله عليه وسلم ربه آمناً، فوافق رأي الصحابة ابتداء التاريخ من ذلك اليوم.