أحوال النفس قصارى علم حداثيات تونس وحداثييها
أبو يعرب المرزوقي
من يقبل أن تدعي المرأة الفاشلة في حياتها العاطفية فضلا عن الزوجية وذات البشاعة الخِلقية والفظاعة الخُلقية الدفاع عن قضايا المرأة يشبه عندي من يقبل أن يدافع المجرمون عن حقوق الإنسان. فهما في الحالتين يخلطون بين القضية التي لا ينكر أحد وجودها وعقدهم الشخصية التي يريدون التغطية عليها.
فعندما أسمع احداثن تحكي عن موقفها من الأسرة والزواج والانجاب وكأن هذه الأمور ليست من أنبل ما يمكن للمرأة أن تعتز به لأنها تفضل عليها منزلة الجارية العمومية لغياب مولاها تعلم أنها ليست سيدة تهمها قضايا المرأة بل هي تريد أن تبرر انحرافها بـ”تفلسف” وجودي بدائي تظنها عمقا فكريا.
وإذا علمت مولى من كانت فأنت تعلم التماثل بين السيد والعبد فتفهم أن الكلام في قضايا المرأة والتمييز بين الدفاع عن حقوقها وبين التخلي عن أنبل ما يجعلها سيدة الطي يجعلها تفضل منزلة الجارية العمومية. وغير هذا الموقف يعد عندها تخلفا وعدم فهم ما تريده النساء وكأنها ناطقة باسم نساء تونس المناضلات حقا والمجاهدات خدمة لأسرهن وأبنائهن.
ولا أحد يجادل في حق هذا النوع من الجواري وخاصة العموميات منهن في خياراتهن الوجودية. المشكل ليس متعلقا بحرياتهن الفردية بل بتسلطهن ومحاولة فرض خياراتهن نموذج حياة على بقية نساء تونس. وهن يتجرأن على ذلك ويجاهرن به لأن الحكم التابع يظن أنه ما يزال قادرا على فرض تغيير أهم قيم الحضارة دون الانتباه إلى أثرها على الملكية والزواج في الأوساط الشعبية.
لا أجادل من حقهن في التعبير عن عقدة العوانس وعاهاتهن الناتجة عن فشلهن العاطفي والأسري (عوانس المتزعمات والمطلقات منهن) لعلل خِلقية أو خُلقية فحرية التعبير تشمل أيضا الكلام على أحوال النفس. فالتي تتكلم على مصير جثمانها بعد موتها تتصور ذلك قضية تهم غيرها والذي طلب يأن يبال على قبره بدل صلاة الجنازة يتصور ذلك يعني غيره. فحتى الاستفزاز المقصود فهو من عبث من لا يغادر النظر إلى ذاته في الماء.
ولا أستبعد أن يكون لذلك علاقة بالانحطاط الفني في الأداب التي تعلموها أو يعلمونها لأن الإبداع عند جل الذين يزعمونه يقتصر على تعبيرهم عن أحوال أنفسهم. فأقصى ما يمكن أن يفعلوه هو أن يجعلوا تجميل قبح حياتهم مادة للكتابة ما يعني أنهم لم يشموا رائحة الأدب والفن بمعيار أكبر مبدع يوناني بشهادة أرسطو.
فهذا كله مفهوم وهو من أمراض الاستعراض الذاتي -الاكزيبيونسم- الذي هو في آن من العاهات النفسية ومن آليات التعويض والحماية. ولا يعنيني شخصيا عندما تكلمت على أثر نظام المواريث على الزراعة والزواج الخارجي وخاصة بين المزارعين الصغار الذين تحكمهم ثقافة تقليدية لا ينكرها إلا جاهل أو معاند.
طبعا “الفلاسفة” المتخرجين من قسم الحضارة والآداب العربية -لكونهم علماء في كل شيء وخاصة في الأديان- لهم كل الحق في العدوان على عقائد الناس فهم كنيسة ولهم بابا فيحق لهم أن يحددوا عقائد الناس وأن يفرضوها على “الأنديجان”. هؤلاء مثل أولئك لا تعنيهم الزراعة ولا زواج بنات المزارعين الصغار.
بل بالعكس هم وهن يردونهن خدما عندهم كما هن خدم عند كبار المزارعين. فالذكور لم يعد أحد يستطيع أن يستعملهم في الزراعة. والمزارعون الصغار يستعملون البنات والنساء الريفيات والقرويات في زراعتهم التي توفر لهم بالكاد شروط العيش الأدنى وهم ميالون لاستعمال بناتهم خدما في الضيعة وخادمات عند “الزعيمات”.
وبهذا المعنى فلا فرق عندي بين صاحبات هذه الرؤى وأمثاله ذكورا وإناثا في الجمعيات التي جلها -حتى لا أعمم- مجرد عيون مخابراتية مثلهم مثل الأحزات التي تكاثرت كالناموس في البرك الآسنة باسم الدفاع عن حقوق الأنسان. وهن مخربات للأسرة وللحياة العاطفية باسم سيداو وغيرها من النزعات القردية في تقليد غير مفهوم لتقاليد لا تناسب وضعنا الحضاري والاقتصادي والثقافي.
ومن علامات الجهل والغباء عند حداثيينا المتخلفين أن المجتمعات الغربية ذاتها -وخاصة أمريكا- بدأت تدرك ما حل بمؤسسة الأسرة وبتبعاتها على الأجيال الصاعدة وشرعت في العودة إلى إضفاء قيمة كبرى على أنبل وظائف الأسرة أي رعاية الأبناء والإنجاب وحتى الإرضاع الطبيعي. فالأمر له صلة بالصحتين النفسية والبدنية.
وبهذا المعنى قارنت أصحاب هذه الرؤى التي تعبر عن أحوال النفس عند كيانات معقدة لأسباب عاطفية وأسرية وخِلقية وخُلقية لا يقتصرون على مشاكلهم الشخصية بل يريدون فرض ما يلائم أحوالهم النفسية على الجماعة قارنتهم بالمجرمين. ومثلهم أدعياء الإصلاح الديني من “فلاسفة” قسم الحضارة والعربية.
ولست أفضح سرا إذا أشرت إلى فراغ وطاب هذه الجماعة وخاصة زعماؤهم الذين يظنوا أنفسهم كبارا ويوهم بعض طلبتهم بذلك خوفا أو طمعا لأن لهم سلطانا في المافية الجامعية والذين لا يوجد أحد في العالم يعتبر ما يقولونه عن الدين عامة وعن الإسلام خاصة مما يعتد به أو يعتمد عليه في فهم الأمور الروحية التي تتجاوز عقولهم الصغيرة وتكوينهم السطحي ودوافعهم الحقيرة.
وحتى أيسر فهم زادهم العلمي في كلامهم حول الأديان عامة وحول الإسلام خاصة فلأورد هذه المقارنة. فبين الإدراك الحسي للعالم عند العامة والإدراك لنظامه الفلكي تجد المنجمين ثقافتهم مثل ثقافة العامة لكنهم دجالون يوهمون العامة أن التنجيم علم وهو يعتقدون مثلهم في الأبراج.
فإذا سمعت خريجا أقسام الحضارة والآداب العربية يتفلسف وخاصة الزعماء الذين اشتهروا فيتكلم في الأديان وفي الإسلام وخاصة في أعماق التجارب الروحية وهم لا يؤمنون بوجود أعماق روحية لأنهم مقتنعون بأن الوجود مقصور على العالم المحسوس وهو عندهم مردود إلى مداركهم أو ما يسمونه “الواقع” فكن واثقا أنك في حضرة المنجمين الذي يوهمون العامة أنهم علماء وكما قال الفاربي فرئيس العامة هو أكثرهم عامية تماما كما يكون زعيم المافية أكثر.
أشارك وأشاطر الكاتب كل ما قاله وعبر عنه مع تحفظي عن إشاراته للعاهات الخلقية… ذكرها ثلاث مرات… وهذا أدبا لا يجوز… فالعاهة الخلقية لا نعيبها وإن كانت تخلف آثارا نفسية وتعويضا نفسيا فليست مما يجوز إدراجه في مقال فكري سياسي… وأعتبرها سقطة للكاتب أدعوه بكل لطف إلى سحبها وتدارك الموقف.
ملاحظة أخرى: المافيا وليست المافية وذكرت مرتين.
مع الشكر