دولة الإكراه
نور الدين العويديدي
قامت الثورة التونسية في العام 2011 باعتبارها إنتفاضة شعبية عارمة على تجربة التحديث القسري، التي قادتها دولة بورقيبة ومن بعده المخلوع زين العابدين بن علي. فقد قامت الدولة التونسية ما بعد الإستقلال على الدعاية الأيديولوجية الحداثوية المتطرفة، الحامية ظهرها بالإستبداد السياسي الغليظ، وتكميم الأفواه، ومنع نقد سياسات الدولة وقراراتها.. وانتهت تلك السياسات القسرية واقعا إلى توترات إجتماعية عالية المستوى وفشل تنموي شديد، همّش معظم السكان، وركّز الثروة في شريط ساحلي ضيق.. وخلق نخبة مدينية متغربة معزولة عن عمقها الشعبي.
على الرغم من الثورة وما ضخته من دماء جديدة في الدولة، إلا أن الدولة التونسية لم تبرأ بعد من مرضها ومن لوثة الأيديولوجيا المهيمنة، ورغبات التحديث القسري للمجتمع. وفي هذا السياق، يأتي إعلان رئيس الجمهورية الحالي مبادرته في المساواة في الميراث، رغم الرفض الشعبي العارم، ما يعني أن الثورة، وإن طهرت الدولة من الإستبداد والتفرد بالحكم، ووزعته بين البرلمان والحكومة ورئاسة الجمهورية، إلا أنها لم تنجح حتى الآن في كبح جماح الأيديولوجيا التحديثية المتطرفة.. فما زال في البلاد مسؤولون يؤمنون بحقهم في إكراه شعبهم، عبر سلطة الدولة، على إختيارات “حداثية” لا يريدها الناس.. وهكذا عدنا من جديد لنرى الشعب في وادٍ ورئيس الدولة في وادٍ آخر.