يوم قال بورقيبة: “هاذيكا فيها نص” !
القاضي أحمد الرحموني
أورد الأستاذ ساسي بن حليمة في معرض تعليقه على مبادرة رئيس الجمهورية بشأن المساواة في الإرث قوله: “سبق لنا شخصيّا أن ألقينا على الرّئيس بورقيبة سؤالا يتعلّق بموقفه من المساواة في الإرث بين الذّكر والأنثى، فأجابنا بالحرف الواحد: (هاذيكا فيها نص).” (الصريح أونلاين- 15 أوت 2018).
وفي نفس السياق يورد الأستاذ احميدة النيفر أن لجنة من رجال القانون المدني التونسي طرحت سنة 1981 قضيةَ «المساواة في الإرث» على الرئيس بورقيبة الذي لم يقبل تعديل مجلة الأحوال الشخصية بهذا الخصوص. (الإرث وأسئلة الزمن المُتَوَقِّف – ليدرز العربية – 22 سبتمبر 2017).
ويبدو من الروايتين أن الرئيس الراحل لم يكن ليجرؤ على محاولة تغيير قاعدة “للذكر مثل حظ الأنثيين” الواردة نصا بالقرآن الكريم رغم ما كان يتمتع به من سلطات واسعة وما فرضه -عند صدور مجلة الأحوال الشخصية- من أحكام جديدة (الطلاق أمام المحكمة – تجريم تعدد الزوجات – تحريم الزواج بالمطلقة ثلاثا …الخ).
ويظهر أن عائق النص هو الذي حال دون إقرار قاعدة المساواة في نظام الإرث الإسلامي السني (وتحديدا المالكي) الذي كانت تتبناه مجلة الأحوال الشخصية.
ومهما كانت الأسباب الأخرى (سياسية أو إجتماعية، وطنية أو دولية) التي لم تكن تشجع بورقيبة على مخالفة صريحة للنص القرآني، فقد كان واضحا أن منهج تأويل النصوص الدينية -فيما له مساس بالعبادات أو الأحوال الشخصية خصوصا- قد ارتبط بشخصية الرئيس الراحل لاعتقاده بأن ذلك من شأنه الإقناع بالأفكار أو الإصلاحات التي يرتئيها.
ورغم أن الأمر لم يسر دائما على نفس المنهج (كإقرار التبني مثلا)، فقد حاول بورقيبة شخصيا (وكذلك فريق الدعاية المرتبط به) أن يجد لبعض الدعوات (الإفطار في رمضان) أو الحلول التشريعية (منع التعدد، منع التياس أو المحلل، الوصية الواجبة…الخ) أدلة -ولو شكلية- من النصوص الأصلية أو أقوال الفقهاء.
وفي هذا الشأن نقل عن الرئيس الراحل -إضافة للروايتين أعلاه- أنه سأل المرحوم محمد الفاضل بن عاشور -قبل إقرار الأحكام الجديدة الواردة بالفقرة الثانية من الفصل 143 مكرر المدرج بباب الميراث بمجلة الأحوال الشخصية- إن كان يوجد مذهب إسلامي يقول بحجب البنت لإخوة المورث وأعمامه وانفرادها بالتركة دونهم ؟ فأجاب بالنفي بغرض صرفه (على ما يبدو) عن أحد الأحكام المخالفة لكافة المذاهب السنية.
إلا أنه يروى أن الرئيس الراحل طرح نفس السؤال على المرحوم محمد العنابي (الرئيس الأول لمحكمة التعقيب) الذي رد عليه بالإيجاب مؤكدا أن الشيعة الإمامية (الإثناعشرية) تقول بذلك إستنادا إلى قراءة مختلفة لآيات المواريث (يطول شرحها). فما كان جواب بورقيبة إلا إن قال: “اش بيه !؟ ، الشيعة مذهب إسلامي !!!”.
فكان ذلك سند الدولة غير المكتوب لإقرار مقتضيات الفقرة 2 من الفصل 143 مكرر من مجلة الأحوال الشخصية المصادق عليه بمقتضى القانون المؤرخ في 19 جوان 1959.
ويبدو في ضوء ذلك أن قول الرئيس الراحل -بشأن المساواة في الإرث-: (هاذيكا فيها نص) يرجع إلى أن قاعدة “للذكر مثل حظ الأنثيين” لا تحتمل التأويل (على حسب منهجه) أو أن محاولاته ربما قد باءت بالفشل!.
ومغزى الرواية -في الأخير- هو أن تلاميذ بورقيبة (ومناصريه) “يزايدون” الآن على ملهمهم -المجاهد الأكبر- خصوصا حين يقولون “أحنا معدناش علاقة بحكاية الدّين والقرآن واحنا نتعاملو مع الدّستور! ونحن في دولة مدنية والقول أن تونس دولة لها مرجعيّة دينية خطأ وخطأ فاحش!”.