تدوينات تونسية

تداعيات نتائج الإنتخابات البلدية على المنتظم السياسي

أنيس عشي

أحدث فوز حركة النهضة في الانتخابات البلدية زلزال حقيقي في المنتظم السياسي التونسي. هذه الانتخابات أثبتت أن لهذه الحركة مهارة ليس على مستوى الدعاية والتواصل والانتشار فحسب بل كذلك على مستوى التفاوض والتحاور والتوافقات، مما جعلها تتحصل على رئاسة 132 بلدية يقطنها 5 ملايين و414 ألف متساكن من جملة 350 بلدية أي بنسبة 38%. حركة النهضة تترأس اليوم 70 بالمائة من البلديات التي يتجاوز عدد سكانها 80 ألف نسمة ولها 2139 مستشار بلدي متواجدون في كافة بلديات الجمهورية دون استثناء.

هذه النتائج خلقت أزمة سياسية حادة أحدثت زلزال في المنتظم السياسي جعلته يبحث عن توازنات سياسية جديدة. تجليات هذه الأزمة السياسية تتمظهر في التصادم بين قوى الحكم، أولا بين رئيس الحزب الحاكم ورئيس الحكومة الذي ينتمي لنفس الحزب، ثانيا رغبة رئاسة الجمهورية في إسقاط الحكومة برئيسها، ثالثا شرعية الحكومة التي أصبحت مرتهنة بقرار الحزب المنافس أي بحركة النهضة التي أصبحت مصدر شرعيتها بعد أن تخلى عنها الحزب الحاكم الفائز بانتخابات 2014 والذي كان مصدر تشكلها.
رئيس الدولة لا يمكنه سحب الثقة من الحكومة إلا عبر الآليات الدستورية أي عن طريق البرلمان وبالتالي فهو مطالب بإقناع النواب والكتل البرلمانية بسحب الثقة منها مع تقديم المبررات وكذلك البديل… وبالتالي فهو لا يرغب في القيام بهذه الخطوة خاصة بعد أن تأكد من عدم تصويت النهضة لفائدة مقترحه والتي عللت موقفها بالتمسك بالإستقرار السياسي وأنه لا فائدة من تغيير الحكومات ما دامت السياسات لم تتغير بدليل أنه تم تغيير ستة حكومات منذ الثورة إلى الآن ولم يتغير الواقع.
الفشل الانتخابي في محطة الحكم المحلي فجر خلافات داخل النداء أدى إلى مزيد تفتيت المفتت وانقسام داخل كتلته النيابية بين مؤيد للحكومة وبين معارض لها. الزلزل عادة ما يؤدي إلى اختفاء تضاريس وظهور أخرى ولذلك من الوارد اختفاء أحزاب وظهور أحزاب أخرى، انهيار تحالفات ونشأة تحالفات جديدة على غرار عودة رضا بالحاج وحزبه تونس أولا إلى أحضان النداء ورغبة محسن مرزوق في توخي نفس الفعل والعودة إلى نفس إستقطاب 2014 أي الكل ضد النهضة متناسيا أن عجلة التاريخ لا تعود إلى الوراء وأنه أصبح من الصعب تجميع الشتات السياسي ضد حركة النهضة التي برزت في صورة الحزب المعتدل الحريص على التوافق والمغلب للمصلحة الوطنية.
الإنتخابات البلدية أضهرت حركة النهضة في ثوب الحداثة والمدافعة عن دور المرأة من خلال تصدرها المرتبة الأولى لرئاسة المرأة للمجالس البلدية. كما أظهرتها كحركة منفتحة وذلك من خلال تصدر المستقلون على قائماتها لرئاسة 63 بلدية.
اللامركزية والحكم المحلي ثبت خيمة الديمقراطية وعبد الطريق لنجاح مسار الإنتقال الديمقراطى رغم كل المصاعب ورغم هشاشة الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock