يصنعون الأزمات ثمّ يتاجرون بها

صالح التيزاوي
بعد إنجاز الإستحقاق الإنتخابي بنجاح وما رافقه من فشل لأدعياء الحداثة… وما رافق ذلك الفشل من دعوات لإسقاط الحكومة، اقترنت هي الأخرى بالحرائق وقطع الماء وقطع الدّواء والحليب وتهديد ووعيد بالذّخيرة الحيّة (كما جاء على لسان بوق المخلوع) والتّهديد باستعمال الشّارع لفرض واقع جديد، يتجاهل كلّ الإستحقاقات الإنتخابيّة، جاء ذلك صراحة على لسان بعض الضّالعين في الفساد حتّى الأعناق وممّن قبلوا أن يكونوا أذيالا لدول عرفت بعدائها للتّداول السّلمي للسّلطة في الوطن العربي وبعدائها السّافر للنّموذج التّونسي. جاءت دعواتهم تلك في قنوات إعلاميّة قرّرت أن تكون طرفا في المعارك الحزبيّة والسّياسيّة وحادت عن الموضوعيّة والنّزاهة (قناة العائلة نموذجا).
وسط تلك الأجواء الخانقة تسلّل الإرهاب كالعادة، وكما في كلّ مرّة، وفي كلّ أزمة ليحصد أرواح أبناء الشّعب… لقد أبدت الثّورة المضادّة منذ انتخابات 2011 إصرارا عجيبا على العودة إلى مربّع الإستبداد وخنق الحرّيّات بعضهم حفاظا على مواقعه وامتيازاته في نظام الفساد والإستبداد وبعضهم تنفبذا لمشاريع أجنبيّة معاديّة لأيّ تحوّل ديمقراطي في الوطن العربي. إنّ ما حدث في بلدان الرّبيع العربي من انقلابات عسكريّة ومن حروب أهليّة وما حدث في تونس من موجات إرهابيّة واحتجاجات وقطع للطّرقات، ودعوات للإنقضاض على المؤسّسات الدّيمقراطيّة منذ “اعتصام الرّزّ” وما تلا ذلك من إسقاط لكلّ الحكومات بداعي الفشل (وكأنّ حكومات بورقيبة والمخلوع كانت ناجحة)، كلّ ذلك يندرج في إطار حلف “صهيو عربي” يعمل على تعطيل الحرّيات والدّيمقراطيّة في الوطن العربي حتّى يبقى تابعا لا يملك قراره ولا سلطة له على ثرواته.
ما إن أعلن عن العمليّة الإرهابيّة الغادرة في جندوبة حتّى انطلقت بعض الأبواق المضلّلة وكانّها كانت على موعد مع الجريمة لتوظّفها: بعضهم نادى بضرورة الإسراع بتغيير الحكومة وبعضهم نادى بنصب المشانق لمن فازوا في الإنتخابات بطريقة ديمقراطيّة وبعضهم نادى بالبيان الأوّل وبعضهم الآخر نادى بإعادة من تمّت إقالتهم. فمهما أحسنّا بهم الظّنّ فهم ليسوا بمنأى عمّا يدبّر للحرّيّة في تونس… وعمّا يراد لمسارها الدّيمقراطي قبل أن يتحوّل إلى نموذج راسخ يقتدى به في العالم العربي… إنّهم يغتالون آخر أمل للعرب في الحرّيّة والتّحرّر.