قد أظلّكم شهر عظيم
صالح التيزاوي
كان من سنّته صلّى اللّه عليه وسلّم إذا كان آخر يوم من شعبان خطب في أصحابه وقال: “أيًها النّاس، قد أظلّكم شهر عظيم، شهر مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل اللّه صيامه فريضة، وقيام ليله تطوّعا، من تقرّب فيه بخصلة من الخير،كان كمن أدّى فريضة فيماسواه، ومن أدّى فيه فريضة، كان كمن ادّى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصّبر والمواساة، وشهر يزداد فيه رزق المؤمن. وهو شهر أوّله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النّار”.
يحلّ رمضان هذا العام والأمّة الإسلاميّة في أسوإ حالات انحدارها، متزامنا مع نكبة جديدة تلحق بالأمّة، حادثة نقل السّفارة الأمريكيّة إلى القدس المحتلّة في تحدّ سافر لمشاعر العرب والمسلمين. يأتي هذا الإجراء متزامنا مع تاريخ النّكبة الأولى: إعلان قيام “دولة إسرائييل” عام 1948 وما تلا ذلك من إبادة جماعيّة للفلسطينيين وتهجير قسري وحركة استيطان لا تهدأ أبدا على أرض الإسراء والمعراج. ما تكاد الأمّة تفيق من هول نكبة حتّى تحلّ بها أخرى أشدّ من سابقاتها. نكبة اليوم هي ضوء أخضر أعطته أمريكا للصّهاينة لتهويد المقدّسات الإسلاميّة والمسيحيّة في أجواء احتفاليّة بتركيع الأمّة وفرض سياسة الأمر الواقع عليها، حيث بات واضحا أنّ الصّراع لم يعد على الأرض بل أصبح مداره المقدّسات والمعالم الدينيّة والحضاريّة لأولى القبلتين وثالث الحرمين الشّريفين.
رمضان شهر الإنتصارات العظيمة في بدر يحلّ على الأمّة وهي تتجرّع مرارة الهزائم والنّكبات، تحت قيادة حكّام أصبحوا يجتهدون في تشويه دينهم وتاريخهم وتراثهم ويغيّرون مناهجهم التّعليميّة إرضاء للمشاريع الإستعماريّة المعادية للأمّة. فهل هؤلاء جديرون بقيادة خير أمّة أخرجت للنّاس؟. أمّة الإسلام التي علّمها رسولها كيف تتقرّب في رمضان إلى خالقها بكلّ خصال
الخير بات حكّامها يتقرّبون لأعداء الأمّة بدفع الجزية مقابل حمايتهم من شعوبهم والبقاء في الحكم.
يقول الرّئيس الأمريكي في إهانة غير مسبوقة لحكّام العرب “إنّ كثيرا من حكّام العرب لا يستطيعون البقاء أسبوعا واحدا في الحكم دون حمايتنا… وعليهم ان يدفعوا”. بأموال “آل سعود وآل زايد” تفتتح ابنة ترامب سفارة بلادها على أرض الإسراء والمعراج. أمّة الإسلام التي ربّاها نبيّها على معاني الرّحمة “من فطّر صائما كان مغفرة لذنوبه”، حكّامها يقطعون الأرحام في شهر رمضان المعظّم ويسيؤون الجوار (حصار دولة قطر في رمضان المنقضي) ويدبّرون الإنقلابات في بلاد المسلمين (مصر وتركيا) إرضاء لأعداء الأمّة ولأهوائهم في الإستبداد وينشرون الصّراعات المسلّحة (ليبيا، سوريا، اليمن، الصّومال).
أمّة الإسلام التي أكرمها اللّه بشهر الصّيام وجعله شهر المواساة، حكّامها يقتلون أطفال اليمن ومن نجا منهم من طائرات “آل سعود” و”آل زايد” تفتك به الكوليرا (أغنى دولتين اجتمعتا على قتال أفقر شعب ولكنّه أغنى منها وعيا وفكرا وتاريخا). أين هؤلاء الحكّام السّفهاء من الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز الذي كان يقول لمستشاريه: “انثروا الحبّ فوق قمم الجبال حتّى لا يقال جاع طير في بلاد المسلمين”. فعل ذلك، بعد أن أطعم الجياع إلى حدّ الشّبع من المسلمين ومن غير المسلمين. فما بال حكّام السّعوديّة والإمارات ينشرون الجوع والموت في بلاد المسلمين؟ وعدهم رسولهم بزيادة رزقهم فإذا بهم يضعون “رزق شعوبهم” بين أيدي أعداء الأمّة والمتربّصين بها ليخرّبوا به بلاد المسلمين وعقول شبابها.
أمّة الإسلام التي دعاها رسولها الأكرم لتجعل من رمضان شهر التّقوى والرّوحانيات أصبحت تنفق الأموال الطّائلة لتجعل منه شهر اللّهو والعبث والتّهريج والقمار وإنتاج أفلام ومسلسلات تدمّر القيم دون احترام للغالبيّة العظمى من المسلمين. لقد نزع القائمون على الإعلام وعلى الفنّ من قواميسهم مفردات الحياء وباتوا ينشرون أقبح الرّذائل والفواحش بين المسلمين في شهر الرّحمة والمغفرة والعتق من النّار. قال تعالى: “ومن يعظّم شعائر اللّه فإنّها من تقوى القلوب”.