تدوينات تونسية

الحداثة المغشوشة تسقط في أوّل اختبار جدّي

صالح التيزاوي
باحت أوّل انتخابات بلديّة تعدّديّة في تاريخ تونس بأسرارها وأعطت لكلّ الأحزاب أحجامها وأوزانها الحقيقيّة، وكشفت عن مفاجآت بالجملة، لعلّ أهمّها: إمرأة،للمرّة الأولى في تاريخ تونس في منصب شيخ مدينة تونس. حيث باتت سعاد عبد الرّحيم قاب قوسين أو أدنى من صنع أعظم حدث، مالم تعترض الحداثة المغشوشة، فإمّا أن تقبل النّخب مكرهة تحت ضغط شعاراتها التي رفعتها لتحرج خصومها وتصفهم بالتّخلّف عن ركب الحداثة، وإمّا أن ترفض وتكشف عن وجه قبيح لا علاقة له بالحداثة. ويتأكّد للقاصي والدّاني أنهمّ كذبوا على الشّعب وعلى الحداثة.
يقال أنّ المتنبّي عندما هاجمه قطّاع الطّرق وكانوا كثرة، همّ بالفرار ولكن خادمه، قال له: ألست القائل؟
الخيل واللّيل والبيداء تعرفني
والسّيف والرّمح والقرطاس والقلم.
فما كان من المتنبّي إلّا أن قال لخادمه: ويحك قتلتني.
فرجع يقاتل اللّصوص وهم كُثر حتّى قُتل، وبذلك قيل عنه “الشّاعر الذي قتله شعره”. ليس أمام من قالوا عن أنفسهم “إنّهم أبناء الحداثة وأهلها… ومنها خلقوا وإليها يعودون” إلّا أن يقبلوا بأحكام الصّندوق، وبأحكام القانون الإنتخابي الذي صاغوه، وان ينسجموا مع شعرات الحداثة التي رفعوها ومازالوا حول حرّيّة المرأة وحقوقها ومساواتها فعليّا بالرّجل حتّى لا يصيبهم ما أصاب المتنبّي: المتنبّي قتله شعره وهؤلاء انكشف زيف شعاراتهم عند أوّل اختبار جدّي. ولن يجديهم نفعا استدعاء الثّقافة الذكوريّة كالقول بأنّه ليس من عاداتنا أن نرى إمرأة في هذا المنصب، ولن يجديهم توظيف الدّين “ماذا تفعل إمرأة ليلة القدر وسط الجامع الأعظم بين الرّجال؟”. وهم الذين جعلوا من معارضة توظيف الدّين عنوانا على حداثتهم المزعومة. ولن تجديهم مقولات رجاء فرحات المتخلّفة فتونس لكلّ أبنائها وبناتها وليست حكرا على الرّجال فقط ولا على”البلديّة” فقط. أليس هذا ما تنطق به الحداثة الحقيقيّة؟
لا ريب أن فوز سعاد عبد الرّحيم على قائمة حزبها فرض نقاشا جدّيّا وحقيقيّا بين النّخب حول جوهر الحداثة، نقاشا يتجاوز الأشكال والشّعارات، وكشف زيف الذين جعلوا من الحداثة سلوكا مزاجيّا، فهم مع قشور الحداثة إن كانت في صفّهم، وهم مع قشور الدّين ومع توظيفه إن كان ذلك يسعفهم.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock