سالم لبيض يبدي شراهة للإستبداد
صالح التيزاوي
فاجأنا الأستاذ الجامعي والباحث في علم الإجتماع والمعارض السّابق والحالي ووزير التّربية الأسبق في حكومة التّرويكا، بمقال آتٍ من زمن نحسبه قد مضى… زمن التّخويف من الدّيمقراطيّة والتّبرير للإستبداد بذريعة الخوف من اكتساح محتمل للإسلاميين للمشهد السّياسي أو ما سمّاه باحث علم الإجتماع والمعارض السّياسي “شراهة النّهضة للحكم”.
وهنا يستدعي الأكاديمي والمناضل الدّيمقراطي كلّ التّجارب الإستبداديّة في العالم العربي: إنقلاب الجيش الجزائري على نتائج الإنتخابات التي كان الإسلاميّون قاب قوسين أو أدنى من الفوز بها، وانقلاب السّيسي على نتائج الثّورة المصريّة بالكامل. الأستاذ الجامعي، إذ يذكر تلك التّجارب الإنقلابيّة لا يذكرها ليدينها ولا ليحمّلها مسؤوليّة ماجرى ولكنّه وبشكل سخيف ومخجل يحمّل المسؤوليّة لمن آمنوا بحقّهم في التّعبير وفي المشاركة السّياسيّة وحلموا بالحرّيّة لهم ولغيرهم.
سالم لبيض المعارض السّياسي بدا متخوّفا من شراهة النّهضة للحكم وهي شراهة تفنّدها تجربتها القصيرة في الحكم، ويفنّدها القانون الإنتخابي الذي لا يسمح لأيّ من الأحزاب بالهيمنة والتّغوّل. وفي الوقت نفسه يبدي شراهة للإستبداد عندما يخوّف شعبه من تبعات “اكتساح محتمل” لحزب بعينه للمحلّيات ولا يخشى على شعبه من عودة المنظومة القديمة. نتفهّم مخاوف الباحث في علم الإجتماع من تغوّل حزب ما ولكن هل الحلّ في تحجيم مشاركته؟ أم في بناء المؤسّسات الدّيمقراطيّة التي لا يعير لها سالم لبيض وزنا بحكم الأيديولوجيا التي يعتنقها ومازال وفيّا لتفاصيلها. فهو يؤمن بالتّغيير الفوقي و”البيان الأوّل” الذي تفوح رائحته ولا يخطئه ذكاء القارئ لمقاله.
إنّ الشّعوب العربيّة التي عاشت تحت أنظمة حكم استبداديّة لم تكن أرحم بها من الإستعمار تحتاج إلى من يبدّد مخاوفها من عودة الإستبداد واستمراره وليس من المشاركة الواسعة للأحزاب وانخراطها في العمل السّياسي… المخاوف الحقيقيّة، مبعثها تمجيد الإنقلابات العسكريّة ومباركة أنظمة تقتل الأطفال وتستبيح الأوطان للغزاة وتصادر الحرّيّات العامّة والخاصّة وتغتال آمال شعوبها في الحرّيّة وتلغي سيادتها تحت عناوين “التّحرير” و”الطّريق إلى الوحدة” و”الطّريق إلى الإشتراكيّة”… أنظمة كانت تقدّم نفسها على أنّها عروبيّة وقوميّة، وها هي ارتدّت إلى طائفيّة مقيتة… تلك هي المخاوف الحقيقيّة. كنّا ننتظر من عالم الإجتماع أن يبدّدها.