الإستشهاد بتجربة العدالة الإنتقالية في جنوب إفريقيا لا يخلو من مغالطات
أتحدث هنا تحديدا من وجهة نظر جنوب إفريقية بحتة، بعيدا عن الاحتفاء الدولي بهذه التجربة..
إذا كان هناك من ملفّ انتقد نيلسون مانديلا على أساسه في بلاده ومن رفاق دربه فهو ملفّ العدالة الانتقالية..
فصديقه، القس دسموند توتو، ذهب إلى حد التعبير عن ندمه الشديد عن توصيته بمنح جائزة نوبل للسلام مناصفة بين مانديلا وفريديرك دو كلارك عام 1993 لأنّ الأخير رفض الإدلاء بشهادته أمام لجنة الحقيقة والمصالحة التي انطلقت جلساتها عام 1996.
هذا إلى جانب التأخر في صرف التعويضات لضحايا نظام الميز العنصري وتبرئة رموزه وفي مقدمتهم فوتر باسون الملقب بدكتور الموت والذي كان له برنامج جاهز لخلط مياه أحياء السود بمواد تقضي على خصوبتهم.
المسار انطلق أساسا بشعار “السلم مقابل العدالة” وقدم المؤتمر الوطني الإفريقي (حزب مانديلا) تنازلات وصفت آنذاك بغير المبررة للحزب الوطني (حزب دو كلارك)، في ختام اجتماعات كمبتون بارك، عام 1993.
أخطر النتائج التي أسفر عنها المسار هو ما ورد في دراسة شهيرة لديفيد بيكر، نشرت عام 2005، وكشفت أن 95 % من الضحايا متشبثون بملاحقة جلاّديهم، نظرا لإفلات الأغلبية الساحقة منهم من العقاب بل وقال 54 ٪ من الضحايا إنهم لن يتخلوا عن حقهم في محاسبة جلاديهم حتى إن كان ذلك على حساب استقرار البلاد. أي أن الإفلات من العقاب غذى، في النهاية، حقدا وسخطا حقيقيين.
ولا تقلّ تصريحات أدلى بها دو كلارك، عام 2012، خطورة عن دراسة بيكير، إذ رفض إدانة الفصل بين البيض والسود.