الأمن لا يزال يحنّ لسنوات بن علي
عبد اللّطيف درباله
بعض النقابات الأمنيّة تجنّدت وأعلنت التعبئة وأصدرت بيانات التصعيد والدعوة لمواجهة القرار القضائي..
وحضر عشرات الأمنيّين.. والكثير منهم بالزيّ الرسمي.. وبسيّارات الأمن.. وحمل الكثير منهم معهم أسلحتهم الناريّة من مسدّسات وبنادق ورشاّشات.. حضروا إلى داخل المحكمة أين اعتصموا.. وحاصروها عمليّا..
ولم يحصل ذلك لأوّل مرّة.. فقد سبق تكرار نفس تلك الممارسات في محاكم مختلفة..!!
كلّ ذلك من أجل ممارسة الضغط والتهديد على القضاة.. لمنع تتبّع وإيقاف زملاء أمنيّين لهم توفّرت أدلّة مبدئيّة قويّة على شبهة تورّطهم في تعذيب متّهم كانوا يحقّقون معه.. وألحقوا به أضرارا بدنيّة جسيمة..
الأمن لا يزال يحنّ لسنوات بن علي ومن قبله بورقيبة.. حيث كانت الأنظمة الديكتاتوريّة تنتهج وترعى ممارسة التعذيب.. وتحمي الجلاّدين والسفّاحين..
ولا يزال الكثير من الأمنيّين حتّى اليوم يعتبرون أنّ من حقّهم فعل ما يريدون في المواطنين.. بتعلّة أنّهم متّهمين..
فينتهكون آدميّتهم.. وكرامتهم..
ويهينونهم.. ويسبّونهم.. ويعرّونهم..
ويضربونهم.. ويجلدونهم.. ويجرحونهم.. ويعلّقونهم.. ويصعقونهم بالكهرباء..
ويهدّدونهم بالاغتصاب..بل ويغتصبونهم فعلا أحيانا..
ولا يزال الأمنيّون بعد سبع سنوات كاملة من الثورة يعتقدون أنّ إتيان تلك الممارسات الفظيعة وغير الإنسانيّة.. وفعل كلّ ذلك.. هو ممارسة عاديّة وحقّ مكتسب.. فقط لأنهّم يحملون صفة “رجل أمن”..!!
وهم يتخيّلون أنّ الحصانة التي كانوا يتمتّعون بها قبل الثورة يجب أن تتواصل وتستمرّ..
لذلك فإنّ نسبة من الأمنيّين.. وحتّى اليوم.. يعتبرون أنفسهم فوق القانون..
وفوق القضاء..
وفوق الشعب..
وفوق الدولة..
دَعْكَ من غياب موقف قويّ وصارم للقضاء وللقضاة.. بمختلف هياكلهم..!!
ودَعْكَ من غياب أيّ ردّ فعل جدّي من الحكومة والسلطة ومن وزارة الداخليّة..!!
ودَعْكَ من سياسة لا أرى ولا أسمع النقّابات الأمنيّة ولا أتكلّم عنهم.. لرئيسي الجمهوريّة والحكومة.. ولوزير الداخليّة الذي كان صوته عاليا ضدّ المدوّنين الناقدين له ولوزارته.. ولكنّنا لم نسمع له صوتا وهو يرى رجاله يحتلّون المحكمة..!!
ودَعْكَ من غياب أيّ موقف للأحزاب الحاكمة.. ومنها خاصّة حركة النهضة التي عانى قادتها وأنصارها بالذات من أهوال وفظاعة التعذيب طوال عقود..!!
ودَعْكَ من غياب أيّ موقف للكثير من الأحزاب والشخصيّات السياسيّة التي يحلو لها تقديم نفسها (زورا) على أنّها تمثّل ما تسّميه “العائلة الديمقراطيّة والحداثيّة والمدنيّة والتقدميّة”..!!
ودَعْكَ من الإعلام الذي لا يزال الكثير منه يعمل تحت إمرة الأجهزة الأمنيّة تماما كما كان الحال في دولة بن علي البوليسيّة..
دَعْكَ من كلّ ذلك..
وخُذْ في المقابل الدرس من نفس الحوادث المتكرّرة لمحاصرة الأمنيّين لمحكمةٍ من أجل إطلاق سراح زملاء لهم متّهمين بالتعذيب..
لو أنّ عشرات المواطنين حاصروا بدورهم.. بطريقة سلميّة.. بأيدي فارغة.. وفقط برفع الشعارات واللاّفتات.. لو حاصروا كلّ مركز أمن وكلّ مقرّ أمنيّ يتعرّض فيه مواطن للتعذيب والمعاملة القاسية.. يحاصرونه ولو لمدّة نهار واحد.. أو لليلة واحدة فقط في كلّ مرّة.. لما تجرّأ أيّ أمنيّ بعد ذلك على تعذيب أيّ مواطن تونسيّ مهما كانت صفته ومهما كانت تهمته..!!!
لكن في تونس.. وللأسف..
فإنّ قوى الشرّ فاعلة وناشطة..
وقوى الخير مستكينة وسلبيّة..!!