تخميرة عمروسيّة
صالح التيزاوي
في حركة استعراضيّة لافتة داخل مجلس نوّاب الشّعب قام “ممثّل” الجبهة بتمزيق ورقة رسم عليها علم الكيان الصّهيوني وحتّى يكتمل العرض المسرحي أرسل الرّفيق سلسلة من البذاءات المهينة لمجلس هو أحد الجالسين تحت قبّته. لم يفعل ذلك إنكارا لعدم تجريم التّطبيع (هذا يقين)، ولا حبّا في فلسطين وأقصاها، ولا إشفاقا على غزّة المحاصرة، إذا لا خلاف بين التّونسيين على رفض التّطبيع ولكنّ الخلاف في بعض التّفاصيل. وهي في مجملها لا تستدعي تلك الثّوريّة الزّائفة والطّهرانيّة المبالغ فيها.
العارف بأفكار الجبهة وبدواخلها لا يصدّق أنّ تلك “التّخميرة” كانت حرصا على تجريم التّطبيع. هي محض مزايدة بائسة وبحث عن مكاسب سياسيّة رخيصة درجت جبهة الرّفاق على تصيّدها، وقد تكتفي من الكسب بخسارة غيرها… حضرة الرّفيق “الثّوري جدّا” من أراد تجريم التّطبيع ينخرط في حملات كسر الحصار عن غزّة وينشر ثقافة العمل ويعلي قيم المواطنة والحرّيّة لأنّها طريق التّحرير ويحمي وحدة مجتمعه. فلسطين لن تتحرّر بتمزيق علم الكيان الغاصب ولا بوابل من “مفردات العهر والهجاء والشّتيمة” ولا “بالعنتريّات التي لا تقتل ذبابة” و”لا بمنطق الطبلة والرّبابة”. وهي عناوين لفكر ثورجيّ قادنا إلى الهزيمة أنتم بقاياه.
لو أنّ تمزيق العلم ينهي احتلالا لتحرّرت فلسطين منذ أمد بعيد وما هزمنا عام سبعة وستّين وما ضاعت الجولان وما أعيتنا الحيلة في طرد الغزاة وما شقي شعب باحتلال أبدا. حضرة الرّفيق نحتاج إلى تمزيق الإستبداد وتفكيكه، نحتاج إلى تمزيق عباءة الإنحطاط والرّداءة التي تلفّ أوطاننا، نحتاج إلى تمزيق البطالة والفقر، نحتاج إلى تمزيق تلك الأفكار المشبعة بأحقاد التّاريخ والأيديولوجبا، نحتاج إلى تمزيق قيود التّبعيّة حتّى نتحرّر نحن وتحرّر فلسطين. من حقّك أن تمارس “قناعاتك الثّوريّة” على طريقة “الوان مان شو” ولكن ليس من حقّك أن تزايد على من كانت القدس قبلتهم في الصّلاة، ومازالت آية من كتابهم.