نصّ عزيز على القلب “وداع عبد الله الكاموري”
الخال عمار جماعي
…و “عبد الله الكاموري” له حبيبة تنتظره على شوقها الخَجِل وتقول له: “أحبّك في كلّ حالاتك !”.. وعبد الله لا يضعف إلاّ أمام أمّه وحبيبته ولأبيه خفض الجناح من الذّل ! ويعتقد دائما أنّه إبن البداوة والقيم قبل نزول الشرائع، لهذا لا يجادل في أمره كالفلاسفة ولا يجد معنى للتنازل كأهل “المصالح المرسلة” ولا يفهم ما معنى أن يخون !.. ويعلم أنّ له من الشوق أضعافها لكن: “الحقّ له ثمنه يا بنت العمّ ! وأنا كما تعلمين !.. ولكنّي أحبّك كثيرا”.. ترتخي أهداب العاشقة ويضحك القلب.. فعبد الله نادرا ما يصرّح ! ولكنه يمضي حيث يدلّه القلب نحو الحقّ الذي لا يجادل فيه كالفلاسفة !
كان الكامور يضرب خيامه وعزائم الرّجال أوتادا.. اصطفاهم الحقّ لنفسه فاستجابوا له كفرقة باطنيّة.. واعتصموا بحبل الله جميعا.. وألقوا تعاليمهم: “هذا حقّ البلد قبل حقّنا فيه.. فهلاّ فهمتنا يا حكومة !؟”.. كانت ساعتها الحكومة تنام في العسل التوافقي وتحاول أن تطهّر نفسها من الطمث فلم تفهم !.. كان “عبد الله الكاموري” في السّاعة نفسها يطبخ عشاءه من حطب الأرض ويتبع أخبار العاصمة من راديو أهدته له حبيبته ليسمع فيروز في الصباح.. كأنّ فيروز لا تغنّي إلاّ لهما !..
أرسلت الحكومة مفاوضها.. باردا كقطعة ثلج.. ضاقت دائرة التفاوض عند فتات الحكومة وترضياتها كمن يخدع طفلا على اللّبن ! حين أخبروا عبد الله بذلك قال: “نحن لا نتسوّل” وواصل تحريك المغرفة في عشائه !
كان قرار غلق المضخّة في ماسورة النّفط قرارا ثوريّا.. لعبت الحكومة في المعادلة وأرسلت جندها.. ولكنّ عبد الله كان واضحا ومن الجند من كان إبن عمّه.. ابتسم له وهو في طريقه نحو “الفانا” ووضع في جيبه رسالة !..
جُنّت قرطاج من عجرفة البدو “الأقعار”.. ألم يكفهم ما فعلوه في “القصبة”!! كم تجشّمنا لنعيد “الأمور إلى نصابها” أفيلعبون بالمصالح !؟؟! ..
تراجع الجند وجاءت الكلاب !!
كان “عبد الله الكاموري” قد سمع وصلة فيروز الصباحيّة واستعدّ ليوم آخر، حين أزّت الرّصاصة في ساقه كقطعة نار.. صرخ من الألم.. وانكتم صوته تحت عجلة سيّارة البوليس الوطني.. تدهس رقبته.. تفايض دم الكاموريّ على أرض لا يفهم عبد الله معنى أن نفاوض حولها ! حُمل الشّهيد تاركا رسالة مكانه.. قرأ جنديّ طيّب:
“الغالي عبد الله أحبّك، أمّا بعد…
أرجو أن تصلك رسالتي وأنت تستمع لفيروز.. فأنت ساعتها تكون في أحسن حالاتك ! حين علمت أنّ ابن عمّك ذاهب للكامور كتبت لك لأعلمك أنّي اشتريت لعمّي سجّادة مزركشة فأنا أراه يصلّي دائما باسطا لِحفته. ولعمّتي “بخنوڨ” طرّزت أطرافه بنفسي سأهديهما إيّاهما في عرسنا.. وقد ارسلت لي أختك الحنّاء، تركت أمّي تعجنها فأنت تعلم أنّي أحبّ الحنّاء !.. ذكّرني يا حبيبي إن نسيت شيئا في رسالتك القادمة.. ولا تغضب لأنّي لا أجد كيف أتّصل بك..
انتبه لنفسك يا غالي وعُد إليّ.. فالكون بدونك موحش والله..
“أحبّك في كلّ حالاتك” وأنت تعلم..
حبيبتك فاطمة..”.
” الخال “