في جبْر الخواطر !..
عبد القادر عبار
في الزمن الرديء حيث يتفشّى الظلم، ويستعلي القهر الاجتماعي وتزدحم المصائب والبلايا على المواطن، تنكسر قلوب كثيرة، وتضيق كثير من الصدور، وتبكي كثير من العيون.. فيحتاج الناس فيه إلى سماع كلمة حانية، واخذ عطية كريمة، وتشتد الحاجة إلى التسرية والتسلية والتحلية من خلال تفعيل ثقافة المواساة، وممارسة خُلُق جبر الخواطر، ذلك أن تطييب النفوس المنكسرة وجبر خواطر المهمومين وتجفيف دموع المصابين هي من أعظم أسباب الألفة الاجتماعية والمحبة بين المواطنين، وهو أدب رفيع، وخلق عظيم لا يتخلق به إلا أصحاب النفوس النبيلة.. وهو للأسف من الأخلاق المهجورة.
وجبْر الخواطر مأخوذة من جبْر العظام: أي إِصْلاَحهَا، وإِعَادَتهَا إِلَى وَضْعِهَا السَّلِيمِ بوضع جبيرة عليها، وجبَر كسرَه: أي أزال انكساره، بإصلاح شئونه وتعويضه عمّا خسِر.
وقد تكفي المهمومَ والمأزوم والمحتاج، الكلمة الطيبة الصادقة، إن لم يكن في الإمكان البذل المادي كما رضي بذلك الشاعر المتنبي في قوله:
لا خَيلَ عِندَكَ تُهديها وَلا مالُ *** فَليُسعِدِ النُطقُ إِن لَم تُسعِدِ الحالُ
وفي واقع حالنا الوطني، كان أمل جلّ الناس ممّن هدّهم الحرمان والبؤس ومسهم ضرّ الظلم والبخس خلال العهدين البائدين، أن تكون الثورة مفتاحا لجبر خواطرهم وفرصة للاستشفاء من معاناتهم التي طالت وتراكمت، فانتظروا التعويض المعنوي والمادي، ولكنهم ما وجدوا ما يسرّهم وما لمسوا ما يسرّي عنهم ولا ما يسلّيهم ويخفف عنهم مما دفع بعضهم إلى القول “ما قبل الثورة خير” ردا على من رفع شعار “ما بعد الثورة خير”.
الشعب ينتظر من أهل السياسة وأصحاب القرار، جبر خاطره بالإسراع بتحقيق العدالة الاجتماعية وتفعيل التنمية الواعدة.. وتخفيض الأسعار وحسن استثمار المال العام.. وجعل أولويات وإنفاقه في إطعام الجائع واكساء العاري وخلق مواطن شغل للبطال، بدل إهداره في صناعة “الصّنبات” بدعوى جبر خواطر الموتى.. فالحيّ أولى بالإنفاق وبالجبْر والمواساة.