عقدة “الكالكيل”
الطيب الجوادي
تلاميذ الإبتدائي سعداء بـ”كرنياتهم”
يمنحهم معلموهم درجات مرتفعة جدا ومعها شهائد شكر بلا حساب
لم يكن الأمر كذلك في الستينات والسبعينات،كان الحصول على ترتيب مشرّف حلما بعيد المنال، وقد كنت ضعيفا جدا في الكالكيل (الحساب) الذي هو معيار التقييم الذي يعتمد عليه الجميع في الحكم على التلميذ سلبا وإيجابا، فإن كان “باهي في الحساب” نال التكريم والتقريظ واطمأن الجميع أن مستقبله سيكون لامعا لا محالة، وإن كان مثلي “عقوبة ربي في الكالكيل” ناله غير قليل من السخرية وغير قليل من قرصات هنية وامتعاضها، ولن أنسى أبدا سحابة الحزن التي ترين على محياها عندما تعلمها نعيمة بنت عمي بأن “الطيب ولد عمي بهيم في الحساب، وجاء لخراني” وكنت أنسحق حزنا عندما تطفر من عينيها دموع الحزن التي تحاول مسحها بسرعة بكمّها، ولكني أكون قد التقطت الرسالة، فيغمرني شعور ممض قاتل بالاجدوى مني ومن حياتي فأتمنّى يائسا ان أموت فأريح وأستريح ! وكنت أتخضّع إلى نعيمة أن تستبدل لفظة “بهيم” بأيّ نعت آخر، ولكنها -بنت الحرام- تصرّ عليها دون غيرها من النعوت، فكنت أذكّرها بأنّها هي أيضا “بهيمة” في العربية وما تعرفش الحال والمفعول المطلق والمفعول معه، اللي ما نعرفو كان نا في الدوار”، فتطلق ضحكة مجلجلة، وتذكرني للمرة المليون أن “البهيم هو الضعيف في الكالكيل، موش في النحو” ولا أجد ما أقول، بل أبكي حظي المنكود في أحضان هنيّة، فتحاول مواساتي وتهمس لي: “وليدي هذاكا اللي عطاك ربّي، ونا راضية بحكمو”.
لقد عشت طفولتي أنوء بعقدة “الضعف” في الكالكيل والرياضيات، وكان ذلك يجعلني أشعر بأني تلميذ خاسر وفاشل، لولا أن سيدي عبد الكريم أخذ بيدي وشجعني وكان يؤكد لي في كل مرة أني سأكون إنسانا ناجحا وأبلغ أعلى المراتب اعتمادا على موهبتي في التعبير، واتقاني للّغة العربيّة وكنت أسأله بسذاجة:
– سيدي، بالحق، انجم ننجح بلا غير ما نكون باهي في الكالكيل ؟
فيداعب شعري ويهمس لي:
– تو يجي نهار وتڤول سيدي عبد الكريم ڤالها.
لعن الله من أفسد علينا طفولتنا بالتمييز بين المواد، لنعيش عقدة الكالكيل، ونغمط بقية المواد حقّها.
الطيب الجوادي