الممثّل الفاشل والأمّ الرّؤوم
صالح التيزاوي
جاء في الأمثال المحكيّة على لسان الحيوان: أنّ صيّادا نصب شركا للعصافير في يوم برد وريح، فكان إذا وقع أحدها في الشّرك أخذه فذبحه ودمع عينيه يسيل لشدّة البرد. فقال عصفور غبيّ: ما أرقّ قلبه! فقال له آخر (حنّكته التّجارب): “لا تنظر إلى دمع عينيه وانظر إلى عمل يديه”. هذا المثل ينطبق على كثير من السّياسيين من بقايا النّظام النّوفمبري الذين يعملون على تأزيم الوضع في الدّاخل بتأجيج المطلبيّة ثمّ ركوب الإحتجاجات، كما يعملون على نشر صورة سلبيّة عن تونس الثّورة في الخارج (تصريح النّائبة الشّتّاوي لقناة مصريّة). ومع كلّ ما فعلوا ويفعلون، يتباكون على “ما آل إليه الوضع في تونس”.
نزل “محسن مزروب” ضيفا على الإعلاميًة مريم”، وكان يعصر عينيه لعلّها تسعفه بدموع يستعين بها على أداء دوره. وعندما تأبى الدّموع تتدخّل “الأمّ الرّؤوم” لتنقذ الموقف ويكتمل المشهد الدرامي فتقول “لقد حضرت معي مرّات كثيرة ولم أرك متأثّرا كما أنت اليوم”. ما الذي يبكيك أيّها…؟ لست أدري بماذا أناديك فقد تعدّدت ألقابك، فأنت المزروب، والموازي، وصاحب الشّقوق، وصاحب الجبهات، وزدت “الممثّل الفاشل”. لا أحد يضاهيك في كثرة ألقابك إلّا المقبور على عبد الله صالح. تبكي لأنّ تونس بفضل الثّورة أصبحت الأولى عربيّا على مستوى الحرّيات بسبعين نقطة متراجعة بثماني نقاط بسبب تأجيل الإنتخابات التي كنت أنت وآخرين سببا في تأجيلها؟ هل تبكي لأنّ تونس بدأت تتعافى من استبداد وحكم شمولي أرسى دعائمها “مثلك الأعلى” الذي تبشّرنا بالعودة إلى نهجه؟ هل تبكي لأنّ تونس أهدت العرب دستورا أخذ مكانه ضمن أرقى دساتير العالم؟ هل تبكي لأنّ الإعلام مفتوح في وجه المعارضة أكثر حتّى ممّن هم اليوم في السّلطة؟ منهج بورقيبة الذي تبشّرنا بالعودة إليه لم يكن يسمح لمعارضيه بالظّهور في الإعلام. في منهج بورقيبة، الإعلام مؤمّم والفم مكمّم. ومن لم يبلع لسانه ابتلعته السّجون. بورقيبة لم يكن رئيسا فقط، لقد كان أكثر من ملك، واكثر من عاهل، جمع سلطات الباي والمقيم العام بين يديه، ولم يشبع، فأعلن نفسه رئيسا مدى الحياة حتّى بلغ ارذل العمر فانقلب عليه صانع جريمة السّابع من نوفمبر ولم تبكوا حينها على بورقيبة، ولم تزوروه في محبسه، ولم تسيروا حتّى في جنازته. أنت تقول “مستعد تشد رئيس”، والآخر يقول “الجبهة مستعدّة للحكم”. فهل الحكم “مطيّش” في الشّارع؟
“جماعة يحبّو ياخذوه بالعنف الثّوري، ولاخر يحب ياخذو بالدّموع “كلام الممثّل الفاشل” يوحي وأنّ التّوانسة يركضون وراءه ليكون رئيسا عليهم! وها هو يتواضع ويقبل ليكون رئيسا عليهم.
الطّريق إلى الحكم معروف حدّده دستور البلاد. ومشينا فيه خطوات، ولا سبيل إلى التّراجع عنه. فهل هذا ما جعلك تعصر عينيك ؟.