إذا فشل الشعب في الاختيار..
مختار صادق
بعد مضي سبع سنوات بالتمام والكمال على اندلاع الثورة وبدء مرحلة جديدة من تاريخ تونس والتأسيس القانوني للجمهورية الثانية هناك سؤال يتردد على كثير من الألسنة بعضها مدفوع بحرقة السؤال الصادقة وبعضها مدفوع بنية الترذيل والتنقيص من قيمة المنجز: “هل أن حال البلاد تحسن بعد الثورة أم لا” ؟
المجيبون بـ”نعم”: يتعللون بسقف الحرية والتعبير الذي وصلت إليه البلاد وقدرة المواطن على اختيار من يمثله بحرية ونزاهة في ظل دستور عصري رفع قدر البلاد بين الأمم. هم يعترفون بتعثر الوضع الإقتصادي لعدة أسباب منها المرحلة الإنتقالية لنظام الحكم الذي تمر به كل الثورات إضافة إلى الوضع العالمي المركب وهشاشة الوضع الأمني على الحدود الجنوبية.
المجيبون بـ”لا”: يتعللون بالوضع الإقتصادي الرث الذي عليه البلاد اليوم وانزلاق الدينار مما أدى إلى ارتفاع جنوني للأسعار وانهيار المقدرة الشرائية للمواطن ويأس الشباب ونفض يده من الطبقة السياسية. كذلك فإن الوضع الأمني مقارنة مع ما كان عليه قبل الثورة تردى إلى مستويات مفزعة لم يعد فيها المرء قادرا على السير ليلا أو حتى نهارا في بعض المناطق دون الخوف من خطر “البراكاجات” هذا بالإضافة لتفشي ظاهرة المخدرات والمسكرات بشكل لافت والتي بلغت حدا أصبح السكوت عنها أقبح من شزرة شيطان أخرس.
على أحقية كل فريق من المتجادلين في التمسك بحجته فباعتقادي أن طرح السؤال بتلك الطريقة تنقصه الدقة.
فالوضع الإقتصادي وعلى المدى القريب يتأثر كثيرا بمردودية العمل للفرد وهذا صحيح قبل الثورة وبعدها. فإذا كان الفرد لا يعطي قيمة للعمل ولا يتفانى فيه فإن ذلك سينعكس بالضرورة سلبا على الوضع الإقتصادي ككل ولذلك يجب تحييد هذه النقطة عن التجاذبات السياسية وإحياء روح العمل والمثابرة فيه. فالثورة أصلا كان سببها الوضع الإقتصادي المتردي لفئات كثيرة من الشعب وخاصة منهم في المناطق الداخلية وأصحاب الشهادات العاطلين عن العمل. كذلك فإن كثرة الإضرابات والمطالبة بالزيادات التي نادى بها الإتحاد العام التونسي للشغل (خاصة عقب الثورة) ساهمت في انزلاق الدينار واندثار المقدرة الشرائية للطبقة البسيطة وتآكل الطبقة المتوسطة.
الفساد هو أيضا من المهلكات للإقتصاد وقد كان متفشيا قبل الثورة وللأسف مازال مستشريا بعدها أو ربما زاد على ما كان عليه قبلها فالعجز عن مقاومة الفساد ليس ذنب الثورة ولكن ذنب الذين حكموا بعد الثورة وخاصة في السنوات الأخيرة حين غلبت الحسابات السياسية على مصلحة البلاد. الإرهاب وما يحمله من مخاطر على جميع المستويات وقعت السيطرة عليه إلى مستويات معقولة ولكن الوضع الأمني الداخلي من جريمة و اعتداء هو مرتبط بالوضع الإقتصادي يؤثر فيه ويتأثر به.
فكل هذه الآفات والمشاكل أصابت وتصيب المجتمع سواء قبل الثورة أو بعدها. الفرق أن قبل الثورة كان هناك خيار واحد وحزب واحد وشخص واحد ونظام واحد وظلم مؤذن بالخراب. أما بعد الثورة فهناك أمل في تغيير النظام والأشخاص والطبقة الحاكمة برمتها بطريقة سلمية ومتحضرة إذا أراد الشعب وأصر على ذلك. أما إذا فشل الشعب في التغيير واختيار الأصلح ليحكمه فلا يعود ذلك لغلظ العصا الممدودة فوق رأسه بل إلى اختياره الذي لم يكن موفقا والذي بإمكانه تعديله في المرة القادمة. لقائل أن يقول أن لا مخرج من مثلث الرعب الذي تتحكم في أضلعه مافيا الإعلام والمال الفاسد والإرهاب المفبرك ولكن أثبتت التجربة أنه بالإمكان الكذب على بعض الناس بعض الوقت ولكن لا يمكن الكذب على أغلبية الناس كل الوقت. لذلك حتما سيختار الشعب من هو أقرب له من حيث محاربة الفساد والجرأة على فضح الحاكم وملاصقة هموم الناس وفي هذا السياق أرى أن الجبهة الشعبية حققت مكسبا هاما من التحركات الأخيرة رغم ما شابها من حرق وتخريب.
على المصابين بعمى العقلانية السياسية والخمول الاجتماعي أن لا يعولوا كثيرا على “نضج” الشعب بعدما أوصلوه اليوم إلى وضع لا يحسد عليه. للأسف قد يكون هذا بعيدا عن العدل و”مصلحة” الشعب الذي قد يكتشف بعد فوات الأوان متاجرة هؤلاء كغيرهم بهمومه ولكن لا لوم على الغريق من التمسك ولو بقشة. لذلك فعلى الذين دأبوا على التفكير بآليات قديمة ومعاقرة واقع الإلف والإستمراء بهدف التصالح مع أجهزة الدولة الإنتباه أن يؤدي ذلك للإجهاز على ما بقي من مكتسبات الثورة في ظل واقع يعج بالمتربصين والإنتهازيين على اليمين واليسار.