تدوينات تونسية

يناير شهر الكفاح الشّتوي في تونس

صالح التيزاوي
بين التّونسيين وبين شهر يناير قصّة عشق فريدة من نوعها. شهر أحبّوه كثيرا. ارتبطت به ذكريات جرأتهم على الإستبداد البورقيبي والنّوفمبري. لديهم أكثر من مبرّر للتّفاؤل به ولطالما شكوه أحزانهم ممّا يجدون في أنفسهم من شعور بالقهر و”الحقرة” وبثّوه أشواقهم إلى الحرّيّة فكانوا معه على مواعيد مع الكفاح تحقيقا لأحلامهم.
وفي كلّ موعد كانوا يودّعون أحبابا وأصحابا وأهلا، لم يقعدهم برد الشّتاء ولا قبضة الأمن ولا أبواب السّجون المشرّعة لاستقبال عشّاق “يناير”، وما تسرّب إلى قلوبهم خوف ولا رعب من قوّادي الشّعب، وما نجح الإعلام النّوفمبري في كسر مجاديفهم. نهضوا لاستقبال شهر الكفاح وحوّلوا غضبهم إلى عاصفة اقتلعت المخلوع ورمت به خارج حدود الوطن.
لماذا هذا الشّهر بالذّات؟ أتراه يذكّر الفقراء بفقرهم، عندما تشتدّ عليهم لسعة البرد وعضّة الجوع ولا يجدون ما يدفعون به برده القارس فيكتشفون أنّهم بلا كرامة؟ أم تراها سجيّة هذا الشّعب يستعيد وعيه ّ كلّ “يناير”. ومع عودته في كلّ عام تعود إليهم روح الكفاح.
كانت البداية مع الخميس الأسود عام 1978، ثمّ كانت ثورة الخبز عام 1984، وفي الثّالثة، استجاب القدر وتوّج التّونسيّون كفاحهم الشّتوي بثورة الحرّيّة والكرامة: 14جانفي 2011، عندما فرّ بن علي، فكان أوّل مخاليع العرب. حدث شدّ أنظار العالم كلّه ووقف كلّ الأحرار إجلالا لشعب رفض القهر فثار على المستبدّ.
وسرعان ما أصبحت ثورة تونس ملهمة لشعوب عربيّة كثيرة، فثارت على جلّاديها وأسقطتهم الواحد تلو الآخر، فتساقطوا كأوراق الخريف في شتاء الغضب.
تونس، كانت مبتدأ الثّورات العربيّة. ومن تونس بدأ مسلسل خلع الحكّام المستبدّين والفاسدين. ومن تونس انطلقت أوّل تجربة ديمقراطيّة، وأوّل انتخابات حرّة ونزيهة في الوطن العربي. وأهدت تونس العرب أوّل دستور توافقي، أخذ مكانه إلى جانب أرقى الدّساتير في العالم.
لاشكّ أنّ الثّورة التّونسيّة شهدت صعوبات كثيرة وفشلت في تحقيق أهدافها ولم تنجح في إحداث تحوّلات عميقة في المجتمع ولا شكّ أنّ ثورات عربيّة أخرى انكسرت على صخور الثّورة المضادّة. ولكنّ الثّابت أنّ الثّورة التّونسيّة أدخلت رعبا وهلعا غير مسبوقين في قلوب حكّام العرب، وزلزلزت الأرض تحت أقدامهم وكشفت ضعفهم وعهرهم وأنّهم “أوهن من بيت العنكبوت”. “كأنّهم خشب مسنّدة”برغم ما كدّسوا من أسلحة وأحاطوا به أنفسهم من عسس ومرتزقة، ونجحت في كسر حاجز الخوف لدى الشّعوب العربيّة المقهورة، وفتحت أعينهم على قيمة الحرّيّة والكرامة، وأنّهما لا يعادلهما شيء آخر، وليس لهما عوض، وأنّهما يستحقّان التّضحية.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock