ما الذي يتهدّد تجربتنا ؟
زهير إسماعيل
ليكن واضحا أنّٰه لا تنازل عن الحقوق كل الحقوق التي يضمنها الدستور، ولا يُسمح المساس بها أو حتى تهديدها تحت أي ذريعة، وفي مقدمتها حق التظاهر والتعبير السلمي.
فليتظاهروا ليلا أو نهارا، في إطار السلم والقانون، رغم ما يثيره التظاهر ليلا من أسئلة، إذ الجمهور المستهدف في البيوت (ربما تأسّيا بـ”الربيع الإيراني” ههه)… ولا معنى لاحتجاز الشباب الداعي إلى التظاهر، بل لابد من إطلاق سراحه… ثمّ إنّ هذه التظاهرات اليوم لا تأتي من فراغ، فهي تعلن تصدّيها لقانون المالية 2018 (النوايا ليست موضوعا).
التظاهر الموجّه من جهة مدسوسة لن يكون له أثر.. والانفجار الاجتماعي “الدوريجين” (الاصلي) لا تُخطئه العين… دعوا الأمر في إطار القانون والتظاهر السلمي وستتوضّح الصورة.
لنطرح السؤال الأهمّ: ما الذي يُهدّد تجربتنا الديمقراطيّة ؟
أرى هذا التهديد في الأسباب التالية:
• الازمة الاقتصاديّة الاجتماعيّة المتفاقمة (المظاهر والأسباب لها مجالها).
• أزمة الحكم والأداء في مستوى منظومة الحكم وصراعاتها وعجزها عن إيجاد الحلول والاكتفاء بتسيير الأزمة ورعايتها، إلى جانب ضعف المعارضة، وارتباك التجربة الحزبيّة عامّة.
• الانقسام الاجتماعي والهووي والنمطي الذي يمنع حصول توافق حقيقي وهدنة اجتماعية واستقرار سياسي بدونها لا يمكن قطع خطوة واحدة للخروج من الأزمة الاقتصاديّة الاجتماعية الحادّة: الاقتصادي الاجتماعي هنا مشروط بالسياسي.
• المصالح القديمة والجديدة من لوبيات المال والأعمال المرتبطة بالسيستام وامتداداتهه في الحكم وعلاقاته بالقوى الأجنبية المتدخلة بمستويات مختلفة في شأن تونس (البلد مخترق فعلا، ولهذا الاختراق تهديد للتجربة ولسيادة القرار ووطنيته).
• تدخّل بعض بعران الخليج وعلى رأسهم الإمارات: وهؤلاء حاولوا الانقلاب بكل الوسائل، ولم يترددوا في استنساخ النموذج المصري. ويواصلون اليوم تدخّٰلهم. وحتّى إن كان لهم عملاء فهم أضعف من أن يملأوا الشارع أو ينزلوه، وإن تحقّق لهم ذلك فهم أحق بالبلاد.
تأثير العملاء يكون بمنع الوصول إلى “توافق حقيقي وهدنة اجتماعية واستقرار سياسي” كشرط ضروري لإصلاحات اقتصادية ومالية عاجلة ومتوسطة يكون حولها إجماع واسع تتقاسم فيه الفئات المختلفة اعباء المرحلة بحسب وضع الفئات وطاقتها من خلال تقدير يضبطه أهل الاختصاص المحكّمون (سيراه البعض استلابا طبقيّا، ونراه بديلا عن الاقتتال العدمي، ورهانا على معطى الحريّة).
لم يبق لبعران الخليج إلاّ استدامة الأزمة الاقتصاديّة بمساهمتهم في توتير المناخ السياسي ومنع حصول الاستقرار المطلوب، وستصل الأزمة إلى درجة عالية من التعفّن وتقوم مؤشرات عدة على ذلك، ويمثل تخفيض “موديز” الأخير لترقيمنا السيادي مؤشرا خطيرا… عند هذا الوضع سيعرض البعران “باكوهم” وشرطهم السياسي… هذا هو التهديد الحقيقي… وشرطهم نسف الديمقراطيّة لأنّها نقيضهم الوجودي.
هم لا يعادون النهضة والمرزوقي إلاّ لاعتقادهم أنّٰهم من بين شروط تأسيس الديمقراطيّة، ولو كان “اليسار” (الذي يستعملون جانبا منه) أهمّ شروط تأسيس الديمقراطيّة لحاربوه باسم الإسلام، وباسم حسن البنّٰا نفسه، واعتبروهم ملاحدة وخطرا على عقيدة الأمّٰة.
البعران كاللجان لهم ممثليهم في كل مكان…