هل توجد تفاهمات بين “الشيطان الأكبر” و”الدولة المارقة” ؟
صالح التيزاوي
درجت إيران منذ نجاح ثورتها بقيادة المرجع الديني “آية اللّه الخميني” والإطاحة بنظام “الشاه” على تلقيب الولايات المتحدة الأمريكية بـ “الشيطان الأكبر”. وفي المقابل كانت الولايات المتّحدة الأمريكيّة تصنف الجمهوية الإسلامية “دولةمارقة”. فهل مازال الأمر كذلك أم هل توجد وراء العداء المعلن تفاهمات سرّيّة؟
لقد كان الغزو الأمريكي للعراق والإطاحة بنظام صدام حسين يؤشّر لتحولات عميقة في المنطقة، لم يكلف العرب أنفسهم عناء استشرافها، بل الأدهى من ذلك أنهم انخرطوا في جملة من السياسات لم يقدروا عواقبها من ذلك مشاركتهم في تخريب دولة العراق، إمّا بالفعل أو بالصمت المريب أو بالصمت العاجز.
وقد كان نظام صدام حسين حارسا أمينا على بوابة الخليج العربي، يمنع تسلّل إيران إلى المنطقة العربية وتحقيق حلمهم القديم في بناء “دولة إيران الكبرى”.
منذ إحتلا ل العراق العام 2003 بحجج واهية كان الترويج لها من باب التبرير لعملية الإحتلال، وتدمير بناه التحتية التي جعلت من العراق دولة على مشارف الدول المتقدمة. منذ تلك اللحظة تتالى صعود شيعة العراق ليملؤوا فراغا تركه نظام الزعيم الشهيد صدام حسين، ولم تستطع أيّ من الدول العربية ملأ ذلك الفراغ، فما هي تجليات ذلك الصعود الشيعي ؟
تعيين إبراهيم الجعفري العائد للعراق تحت رعاية قوات الإحتلال الأمريكي، وهو الذي قضّى جزءا من حياته في إيران، ينهل من ” المصدر” مبادئ التّشيّع، وقد تمّ تعيينه رئيسا لمجلس الحكم الإنتقالي العام 2005، ثم أصبح لاحقا رئيسا لمجلس الوزراء. وفي 20 ماي 2006 وصل نوري المالكي إلى السلطة خلفا للجعفري ليشغل خطة رئيس الوزراء ممثلا “لإئتلاف دولة القانون” وهو تكتل لجملة من الأحزاب الشيعيّة، هو الآخر قضّى جزءا من حياته في إيران ينهل من مدارس التّشيّع في “الدولة المركز” وقد عاد للعراق مع جحافل الغزاة وهو الذي ينسب إليه تأسيس مليشيات “الحشد الشعبي” للقيام بالمهام القذرة من ذلك ارتكاب مجازر بحق السنة وتصفية معارضي الشيعة خارج القانون تحت ذريعة ملاحقة الإرهاب.
ممّا يلاحظ في كل المحطات الإنتخابية التي أوصلت الشّيعة إلى الحكم أنّه ما كان لها أن تتم لولا التأييد الإيراني والسوري “نظام الممانعة”، بما يعني أن هناك تفاهمات بين الإيرانيين و”الشيطان الأكبر”. ذلك الشعار الذي خدعت به إيران لسنوات طويلة العالم الإسلامي، كما خدعته بشعار “تحرير القدس”. وها هم الشيعة اليوم على مشارف الجولان ولكنهم اختاروا توجيه نيران أسلحتهم نحو السنة في حلب! وما الذي يجعل الكيان الصهيوني مطمئنا إلى الوجود الشيعي في سوريا؟ ألا يدلل هذا على وجود تفاهم بين الطرفين برعاية روسيا: “صديقة” العرب والصّهاينة في آن واحد.
استغلّت إيران الوضع الجديد في العراق وانطلقت في سباق محموم مع الزمن للتسريع في برنامجها النووي بدعم من روسيا التي تبحث هي الأخرى عن موطئ قدم في المنطقة والمتطلّعة لاستعادة مجدها القديم وربما لم تغفر للسنة أنهم سبب انكسار الإمبراطورية السوفياتية في أفغانستان. كما وجدت في المشروع النّووي الإيراني مناسبة لتعبئة خزائنها الفارغة التي أنهكتها الحرب الباردة وتفكّك الإمبراطوريّة. أبدت الدول الغربية وأمريكا أصالة عن نفسها ونيابة عن الكيان الصهيوني معارضتها للمشروع، حيث فرضت سلسلة من العقوبات على الدولة “المارقة” و”الراعية للإرهاب” ولكن دون اللّجوء إلى استخدام القوّة. فلماذا أخذت هذه الدول النظام العروبي في العراق بالشّبهة ودمّرته، فيما سلكت “تكتيكا” آخر مع إيران؟ ألا يدلل هذا على جود تفاهمات سرية؟ وبالفعل فإن الحوار الإيراني مع الدول: 5+1 أفضى إلى اتّفاق فيانا العام 2015: تنازلت إيران عن التسريع في امتلاك أسلحة نوويّة مع ضمان حقها في امتلاك تقنيتها، فيما تنازل الغرب عن العقوبات الإقتصاديّة مع ضمان حقّه في مراقبة البرنامج النووي الإيراني. اعتبرت إيران الإتفاق نصرا لأنه اعترف بحقّها في امتلاك التّقنية النووية. والأخطر من ذلك كله أنه أطلق يدها في العالم العربي: البحرين، لبنان، سوريا، اليمن. فهل الطّريق إلى القدس يمرّ عبر العواصم العربيّة التي تحتلّها إيران؟
وهل تدفع إيران اليوم ثمن سياساتها الخاطئة في العالم العربي احتجاجات شعبيّة على تردّي الأوضاع المعيشيّة في بلد يحتلّ المرتبة الرّابعة عالميّا في إنتاج النّفط. يرجع المحتجّون تردّي أوضاعهم المعيشيّة إلى إنفاق الدّولة على حملات عسكريّة في اليمن وفي سوريا، يرون أنّهم أولى بتلك النّفقات.
وفيما لو تزايدت وتيرة الإحتجاجات وأخذت منحى تصعيديّا هل ستضطرّ إيران إلى سحب الحرس الثّوري من العراق ومن سوريا؟