تدوينات تونسية

دعونا من الأسماء…

سامي براهم
اتّهامات بالهمز والغمز لأنّنا ننزّل الأشرطة التي تصوّر انتفاضة فئات واسعة من الشّعب الإيراني… كأنّنا طرف في إشعال فتيلها أو التّحريض عليها…
متناقضون بين الاعتراف بالدّوافع الدّاخليّة للاحتجاجات من فقر وبطالة وفقدان ثقة في سياسات الدّولة والمؤمرات الخارجيّة والعملاء والمندسّين… يبرّرون ويتمحّلون الحجج ويُدينون من يتعاطف مع المنتفضين ويرمونه بالعمالة والطّائفيّة والصّهيونيّة و و و… كأنّ المتعاطفين هم من أحرقوا صور المرشد ورئيس البلد وعددا من مقارّ الدّولة والحوزات… كأنّ المتعاطفين هم من رفعوا شعارات إيران قبل سوريا واليمن ويسقط الخامنائي…
يقولون لو تخفّفت إيران من أعبائها تجاه الخارج ستضيع القضيّة الفلسطينيّة وتجتاح الصهيونيّة وعملاؤها المنطقة… كأنّ شعوب المنطقة لا تؤمن بقضاياها العادلة ولا تستطيع التّضحية من أجلها وتحتاج الفصائل المسلّحة والمليشيات الطّائفيّة المستجلبة لتنوب عنها… معادلات مانويّة عبثيّة مضلّلة “بشّار أو نيتنياهو / الحوثي أو بول البعير / الحكم الطّائفي في العراق أو داعش…” ويقيمون فرزا مرتجلا مسفّا سخيفا مسقطين كلّ إمكانات الأمّة على المقاومة الشّريفة غير الملوّثة المالكة لأقدار من زمام أمرها…
آخرون متمترسون في مواجهة الإسلام السياسي ويتصيّدون كلّ عثراته ويتربّصون به في كلّ زلّة ويتخندقون مع أشدّ تعبيرات الإسلام السياسي إغراقا في الميثولوجيا والاستبداد المقنّع بالمذهبية والدّيمقراطيّة الانتقائيّة القائمة على ازدواجيّة المؤسسات والسّلطات…
نريد لإيران أن تكون وفيّة لمبادئ ثورة شعبها لأنّ في ذلك أمن لها ولشعوبنا… أن لا تتخذ من دعم المقاومة ومساندة القضيّة الفلسطينيّة حصان طروادة للهيمنة على المنطقة… نريد لدولتها ولشعبها السّلام والنّجاح في تحقيق نهضته لتكون قوّة إقليميّة ناهضة تقدّم نموذجا لدولة إسلاميّة متقدّمة من حيث رقيّها الحضاري ورفاه مواطنيها ومنعتها العسكريّة… لكن لساستها خيارات أخرى تحتاج انتفاضة بهذا الحجم والعنفوان لترشيدها وتصحيح بوصلتها…
هل ما يحدث في شوارع مدن إيران ثورة أم انتفاضة أم ربيع أم مؤامرة أم اندساس أم أجندات مرتزقة أم أجنحة من داخل نظام الحكم ؟؟؟ دعونا من الأسماء والمسمّيات… لا تعنينا الأسماء فجميعها من باب الإنشاء والمجاز المرسل والقياسات المسقطة قبل أن تستقرّ واقعا ثابتا… المهمّ ما يحدث فوق الميدان أمام نظر العالم… المهمّ أنّ هذا الحراك العارم شمل فئات واسعة وجموعا كبيرة على امتداد البلد وأنّها تحمل مطالب مشروعة كما اعترف بذلك الخطاب الرسميّ نفسه وأنّها تجاوزت العناوين الاجتماعيّة والسياسيّة إلى جوهر نظام الحكم ومؤسّساته الرمزيّة…
هل يمكن أن يفضي هذا الحراك إلى قلب هذا النّظام المزدوج بين المدني والمذهبي والانتصار لنموذج نظام مدني صرف في إدارة الشّأن العامّ ؟ هذا أمر يخصّ الإيرانيين وحدهم ويتوقّف على حجم وعيهم بالسياسة المدنيّة وفقدانهم للثّقة في نموذج السلطة برأسين والتوليف بين فلسفتين للحكم… ولكن فشل هذه الانتفاضة في تصحيح سياسات الدّولة سيفضي إلى انتفاضات أكثر دمويّة… لن يقدر على رتق لحمتها نسّاجو زرابي الحرير الفارسي.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock