أم المعــــــارك
محمد بن نصر
أجدادنا وآباؤنا بوعيهم البسيط والنقي لم يجدوا صعوبة كبيرة في مواجهة المحتل. وحّدهم شعار تحرير الأرض فانخرطوا في المقاومة دون تردد واستطاعوا بإحساسهم الفطري أن يميّزوا الوطني من العميل ولكن العملاء تناسلوا تحت قبة الاستقلال وأنجبوا أصنافا من المثقفين والإعلاميين الذين نبتت في عقولهم ووجدانهم بذرة التبعية ونمت وأثمرت.
خدعوا الناس بشعارات التقدم والتمدن والحرية والعقلانية وحقوق الإنسان، أستثني منهم فئة قليلة من الحداثيين فعلا، كلما صدعت بالحق تمّ تغييبها وضاعت وسط الزحام، فألتبس الأمر على الكثيرين وأصبحوا غير قادرين على تمييز الذين يعملون من أجل مصلحة وطنهم من الذين باعوه وما أكثرهم وقبضوا المال والجاه الزائفين.
في كل هزّة يعيشها الوطن يتساقطون مثل أوراق الخريف وتنكشف عوراتهم المكشوفة أصلا ولكنهم في كل مرة يسترجعون بعضا من ريشهم مستغلّين بدهاء ماكر ما يقترفه مشعوذو الدين من فظاعات، فتعلو أصواتهم من جديد ويستأنفون مشروعهم في تدمير الأخلاق والقيم حتى يفقد المجتمع كل قوى المناعة فيه ويصبح مرتعا للمخابرات الأجنبية.
كل مشروع إصلاحي لا يهتم بهذه القوى المحلية الناخرة للجسد لن يستطيع أن يمضي قدما ولن يستطيع أن يفعّل الشعارات التي يرفعها. وكل مشروع إصلاحي لا يجعل من تحرير التعليم والثقافة حتى تكون فعلا مدنية ومؤمنة حقا بالإنسانية وحامية للوطن سيكتشف أصحابه يوما أنّهم بلا وطن.