صالح التيزاوي
في الدّيمقراطيات العريقة يصاب القائمون عليها بالهلع عندما يطلّ الإستبداد برأسه. فتستنفر أجهزة الدّولة ومؤسّساتها للقيام بدورها في ترسيخ الدّيمقراطيّة. فلماذا هذا الهلع الذي أصاب المنظومة القديمة لمجرّد فوز مواطن تونسي معارض لمنظومة الحكم الحاليّة بمقعد نيابيّ في انتخابات جزئيّة؟ لا أعتقد أنّ هذا الدّاخل الجديد لمجلس نوّاب الشّعب سيغيّر شيئا في المشهد النّيابي وفي التّوازنات والتّحالفات، حتًى وإن كان منتميا إلى حزب الحراك.
أن يفوز معارض على مرشّح الحزب الحاكم فهذا حدث يحتفى به في الدّيمقراطيّات العريقة ويعتبر ظاهرة صحّيّة على حيويّة المجتمع وعلى سلامة أجهزة الدّولة من فيروس الإستبداد. لماذا إذا هذا الهلع في حزب النّداء ومشتقّاته؟ ولماذا هذا العويل وهذه المناحة التي أقاموها في وسائل الإعلام إلى حدّ الإعلان عن “مراجعات” وعن “فكّ الإرتباط”. ظهور برهان بسيّس كمن ضربته عاصفة من الغضب، ذكّرنا بظهوره ليلة هروب المخلوع، لا يبدو أنّه قطع مع ماضيه كبوق للإستبداد ولا يبدو أنّه شفي من حقده على الثّورة ومن كآبته المزمنة على رحيل المخلوع.
لقد تحدّث كثيرون عن دلالات فوز المعارض الشّابّ، ولكنّني سأتحدّث عن دلالات هستيريا المنظومة القديمة. فما هي الأسباب؟
إنّه الخوف من جذوة الثّورة التي أوقدها من جديد فوز ياسين العيّاري في قلوب آمنت بالثّورة وراهنت عليها، أو لعلّه الخوف من عودة محتملة لحزب الحراك ورئيسه إلى المشهد السّياسي من جديد وبحجم أكبر.
لقد راهنت المنظومة القديمة منذ خروج التّرويكا من الحكم على انقلاب ناعم على الثّورة واستحقاقاتها، زادتهم انتخابات 2014 يقينا بقدرتهم على ذلك إلى حدّ نزع خصومهم من المشهد “كما ينزع الخاتم من الإصبع”. ولا شكّ أنّ فوز معارض لا يخفي حماسته للثّورة واستحقاقاتها قد يكون بداية لإفساد خطّتهم.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.