نور الدين الغيلوفي
(قراءة صورة)
مدينة من مدائن اليمن لمن عرف اليمن الزمان والمكان.. بأسوارها.. كتاب تجد منه ريح التاريخ وروحه.. وتقٍرأ ملاحم الماضين… سور يحصي دهورا مرّت على المدينة.. مرّت الدهور وبقيت المدينة شاهدة على أنّ بُناةً مرّوا بها.. بناة تركوا آثارا باقية تشهد على أنّ الماضين قبل أن يعبروا زمنهم وضعوا لهم علامات تدلّ اللاحقين على ولع أجدادهم بالخلود واستطاعتهم بلوغ ما أرادوا رغم سطوة الزمان ومضيّه حتمًا..
بنيان مضارِعٌ مرفوع لا تأتي عليه الجوازم.. ذاك من عبقرية الإنسان يجعل من الحجر الصلد علامةَ طريقٍ شاهدةً على أنّ الماضي لا يمضي متى اعتصم الإنسان بإرادته…
نترك المدينة لمن بنوها.. ونمضي إلى القراءة في كتاب الإنسان يبني المدينة ويعمرها.. يأتي في القرن الحادي والعشرين حاملا أسباب الموت على كتفه كأنّه لا يقرأ من جدران المدينة شيئا ولا يعتبر.. ولا يفقه معنى.. فيعصف بالماضي وبالحاضر معا حتى لا يكون في المدى المنظور مستقبلٌ…
طفل يحمل على كتفه موتَه وموتَ الطفولة من حوله.. بل موت الإنسانية جمعاء في حكاية كريهة لسيرة من سوّلت له نفسُه، من ابنَيْ آدم، منذ البدء، قتلَ أخيه فقتله.. وطفل ثان تقرأ من مشيته الواثقة قول نظير له، منذ البدء، للآخر “مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ.. يتقاطع الطفلان في الطريق.. أحدهما يتّجه إلى مدرسته لاستئناف بنيان مدينته في سكينة العلم كأنه يحاور حافظته لتُدنيَ منه ما ليس بمحفظته.. إكسير الحياة على ظهره.. جراب المعرفة حراب العلم.. والعلم نور.. والنور حياة.. أمّا الطفل الثاني فماضٍ إلى حتفه كرها يجرّه كهل إلى أمر لا يعلمه فيلتفت.. الطفل طالب الحياة، يلوي، بمشيته الواثقة، عنق الطفولة المحمولة إلى الموت.. النظرة المقهورة مسافة تفصل بين الطفلين..
شتّان بين الطفلين والوجهتين والزمنين: زمن يخيّم عليه الموت الزعاف فتُقدَّم الطفولة له قربانا.. وزمن يشعّ منه نور المعرفة فتمضي طفولته واثقة إلى أفق مفتوح على أمل تنشده يصارع الفناء ويضع الترياق…
•••
الطفولة زهرة ما لم نَصُنْهَا تحوّلت بفعل ما يعلوها من قسوة إلى أداة لزراعة الموت في مدننا ونشر العدم…
ومتى زرعنا الموت طفلا دبّت فينا أسباب العدم وكرهتنا الحياة..
•••
للصورة وجهان وجه يحضن المدينة بحافظة العلم ويزيّنها بنوره.. ووجه يلقي على المدينة كفنًا ويمضي بها إلى المقبرة.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.