في ذكرى مولد خاتم الرّسل
صالح التيزاوي
ماذا يمكن أن نقول في ذكرى مولد خاتم الرّسل وإمام الكلّ ومنير السّبل؟ يقول الإمام علي رضي اللّه عنه: “كنّا إذا ألمّ بنا خطب لذنا برسول اللّه”.
فماذا يمكن أن نفعل نحن في هذا الزّمن وقد داهمتنا خطوب، وبلغت الأمًة العربيّة والإسلاميّة أسوأ مراحل ضعفها وانحدارها، كما لم يحدث لها من قبل؟ قد يكون من المفيد أن نلوذ بسنّته، نقتبس منها، ليس بمعنى الفرار إلى الماضي هروبا من واقع مرير كما يفعل البعض. ولا نريد أن يجرفنا الواقع بعيدا عن ثوابتنا.
محمّد وصل السّماء بالأرض فصنع خير أمّة أخرجت للنّاس. هي اليوم ليست كذلك لما أصابها من أمراض ولكنّها تملك مخزونا روحيّا وفكريّا عظيما، ينتظر قيادات فكريّة وسياسيّة استثنائيّة في حكمتها تحسن التّعامل معه، لتبدع حلولا استثنائيّة لمشكلات استثنائيّة في حجمها. ذكرى مولد الرّسول الأكرم نريدها مناسبة للإقتباس من أنوار سيرته نهتدي بها.
يقول احد الصّحابة: “كان رسول اللّه يفرغنا ثمّ يملؤنا”. كان عليه الصّلاة والسّلام، يخلّص العقول من أوهام الجهل والخرافة ويهدي إلى مكارم الأخلاق ويحرّر البشر من قيود العبوديًة، عبوديّة الأهواء والبشر ويعلّم أصحابه كيف يخرجون غيرهم من ضيق الدّنيا إلى سعتها، وكيف يخرجون النّاس من الظّلم إلى العدل. لمّا اختلف عرب الجاهليّة في وضع الحجر الأسود وكادوا يقتتلون، قالوا: هذا الأمين قد جاء. نحكّمه بيننا. لقد عرف محمّد بين البشر بمبادئه الجميلة، ولم يعرف بلحيته أو قميصه.
لقد أحدث رسول الإسلام أعظم ثورة في تاريخ الإنسانيّة غيّرت تاريخ العرب وجعلت منهم قادة للبشريّة في مدّة وجيزة. كانت ثورة فكريّة وروحيّة، الإنسان مبتدؤها ومنتهاها. فما بال أمًة العرب والإسلام أصابها العجز والوهن؟ تستورد طعامها ودواءها وكساءها من وراء البحار، قابعة في ذيل القافلة البشريّة، تكالب عليها أعداؤها وهم كثر ليس لقلة في العدد ولا في الثّروة ولكن لقلّة في العقل.
استطاع رسول الإسلام أن يخرج العرب من شظف الحياة إلى نعيمها، ومن البداوة إلى الحضارة لأنّه غرس في أصحابه إرادة التّغيير وأبدلهم بقسوة قلوبهم التي اكتسبوها من الصّحراء رحمة فاضت على الإنسانيّة. ألم يقل فيه ربّه “وما أرسلناك إلّا رحمة للعالمين”. ملك محمّد قلوب العباد بالرّحمة والرّفق فملّكه اللًه وأصحابه الدّنيا بأسرها.
وصّى صلّى اللّه عليه وسلّم زوجته السّيّدة عائشة ومن ورائها جميع الأمّة “مهلا يا عائشة وعليك بالرّفق وإيّاك والعنف والفحش”. فما بال المسلمين اليوم حياتهم العامّة والخاصّة تضطرب عنفا وقسوة وفحشا ؟ حكّام مستبدّون أسرفوا في الظّلم والقتل واستباحوا كرامة البشر، أقاموا حكمهم على البطش وعلى سفك الدّماء.
كانت آخر وصايا نبيّ الرّحمة لأمّته في حجّة الوداع “إنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا” فكيف أصبحت هذه الجرائم شأنا يوميّا في بلاد المسلمين وعنوانا دالّا عليهم ؟
كتب أحد الولّاة الفاسدين للخليفة العادل عمر بن عبد العزيز يستأذنه في استعمال السّوط لحمل النّاس على الصّلاح فجاءه الرّدّ “كذبت، بل يصلحهم العدل”.
لقد فهم المسلمون الأوائل “أنّ الإكراه على الفضيلة لا يصنع الإنسان الفاضل” لذلك لم يساوموا على الحرّية.
ووصىّ عمر بن الخطّاب أصحابه قائلا “لا تذلّوا العرب ولا تهينوها”. أمّة الإسلام اليوم والعرب خاصّة في فم كمّاشة: حكّام مستبدّون، ومتطرّفون يقتلون باسم الإسلام، ومتآمرون لم يدّخروا جهدا لتشويه الأمّة وتراثها ومقدّساتها ورموزها. كم نحن في حاجة إلى مثل هذه المناسبات لتجديد صلتنا برسولنا نتعلّم من سيرته عسى اللّه أن يبدلنا بعسرنا يسرا، وبقسوة قلوبنا رحمة.