الإثنين 9 يونيو 2025
صالح التيزاوي
صالح التيزاوي

منطق ثوري جدّا..

صالح التيزاوي
عجيب منطق “اليسارجيّة” و”القومجيةّ” في بلادنا وفريد في بابه: “ما لا عين قرأت ولا أذن سمعت”.
لقد صدّعوا رؤوسنا لأعوام طوال بتمجيد الثّورات التي شهدتها المجتمعات الإنسانيّة فمن تمجيد الثّورة البلشفيّة إلى تمجيد الثّورة الفرنسيّة. واعتبروا في منشوراتهم وكرّاساتهم الحدث الثّوري دليلا على نضج الشّعوب. ولمّا سئمت الشّعوب العربيّة من الحكم الإستبدادي وأدركت أنّه لا خلاص لها إلّا بإزاحة نظم الإستبداد لاستعادة كرامتها. خرجت الجموع الهادرة تنادي برحيلها، فكان لها ما أرادت واستجاب لها القدر في تونس وفي القاهرة وفي طرابلس الغرب وفي صنعاء. وأمكن لها أن تستعيد زمام المبادرة. ولكنّ الرّفاق الثّوريين جدّا على امتداد الوطن العربي من من رفعت السّعيد وحتّى رفاق “الرّزّ” غدروا بربيع العرب، وتحالفوا مع الدّولة العميقة ومع الرّجعيات العربيّة حيث أصبح التّناقض معها مسألة ثانويّة واختلقوا ذرائع في منتهى السّخافة لتبرير مواقفهم المخزية.
فهذه إيران “دولة الملالي” و”ولاية الفقيه” كما كانوا ينعتونها في الثّمانينات أصبحت ثوريّة، وحزب اللّه الذي كان ينعت بالطّائفيّة أصبح مناضلا لمجرّد أنّه وقف إلى جانب سفّاح الشّام، ولم يعودوا يعيبون عليه إيمانه بولاية الفقيه، ولم يعد خطرا على مدنيّة الدّولة، ولم يعد لبنان مخطوفا، وشطب من لائحة الإرهاب. أمّا الإمارات فبمجرّد دعمها للإنقلاب العسكري في مصر على حكم الإخوان، وبمجرّد انخراطها بأوامر صهيونيّة في محاربة هويّة الأمّة ورموزها فقد أصبحت “تقدّميّة”، وأمضى لها الرّفاق على صكّ يبرّئها من تهمة القبليّة والرّجعيّة. ولا عجب في أن تصبح السّعوديّة دولة تقدّميّة جدّا وثوريّة جدّا بعد أن أدرجت “اتّحاد العلماء المسلمين” و”المجلس الإسلامي الأعلى” على لائحة الإرهاب.
حتّى يوسف العتيبة “مهرّج العلمانيّة الجديد”، ولأنّه تزعّم بالوكالة الثّورة المضادّة، وقاد الحرب على الإخوان إلى حدّ الشّماتة بموتهم في السّجون أصبح عند اليساريين العرب رمزا للعلمانيّة والحداثة. ليس مستغربا بحسب هذا المنطق المعوجّ أن يتّخذ الرّفاق من استعمال الرّشّ مناحة (وهو جريمة بكلّ المقاييس غير مبرّرة) وأن لا يخجلوا من شدّ الرّحال لإلتقاط الصّور مع قاتل
شعبه بالبراميل المتفجّرة والغازات الكيمياويّة ومشاركة سفّاح الشّام الرّقص على جثث الموتى ووسط أكوام الخراب تحت حماية الطائرات الرّوسيّة وفي حماية المليشيات الشّيعيّة. لا شكّ أنّ استعمال الرشّ مسألة بشعة خاصّة في بلاد شهدت ثورة على الظّلم. ولكنّ البراميل المتفجّرة والإبادة الجماعيّة والتّهجير القسري في بلاد الشّام أكثر بشاعة، لا يباركها إلّا من فقد عقله وأعوزته الحجّة.
الآن عبد الستّار بن موسى على القناة الأولى وفي شهادته على أحداث الرشّ يقول بانّ استعمال الرّشّ محرّم دوليّا (وهو محقّ فيما يقول)، فهل استعمال البراميل المتفجّرة محلّل دوليّا؟


اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

صالح التيزاوي

هل هي ليلة بدء الحساب؟

صالح التيزاوي  لقد سبق للكيان منذ عام 48 أن واجه أنظمة عربية ولكن لم يسبق …

صالح التيزاوي

الأمّة الصّائمة و الصّامتة

صالح التيزاوي  يقول الأمريكان وبعض حلفائهم، إنّهم يبحثون إنشاء ميناء بحري في غزّة لإغاثة أهلها …

اترك تعليق