يوم سقط الزعيم الأوحد
الطيب الجوادي
– اجري طيب ولدي جيب برشة مقرونة وتاي وسكّر، وعبي دبوزة الڤاز
هكذا كان ردة فعل هنيّة، عندما دخل علينا أخي الأصغر مسرعا ليصفعنا بالخبر الذي تركنا مذهولين لبعض الوقت “بورقيبة تنحّى، حلّوا التلفزة والرديون”
كنت وقتها قد استفقت لتوي من النوم، وبصدد ترشف قهوة ناسكافي ومعها كعبات مقروض دياري، رفقة الوالدة والوالد، الذي أسرع لمذياعه الذي لا يفارقه، ليفتحه، فيتسرب منه صوت زعبع يتلو بيان السابع من نوفمبر ويبشر بعهد جديد،
والله بالحق صرخ أبي، في حين سارعت هنية للمطبخ تتفقد “اشنوة اللي ناقص” وتطلب مني ان أتجه “لعمي الجربي” قبل أن “تفيق الناس وما يبقالنا شيء”.
فجأة وكمن استفاق لتوّه من كابوس مزعج تساءلت بصوت مسموع:
– أشكون اللي نحّى بورقيبة؟ الهادي نويرة؟ و الا الاستعمار؟ ثم اتجهت لي بالحديث:
– تعرف وليدي، لكان بورقيبة تنحى بالحق، معناها الدنيا وفات!
ولا غرابة: فقد كان التونسيون جميعا يعتقدون أن بورقيبة خالد، وانه أقوى من الزمن ومن عوامل الفناء، وانه لو حصل له مكروه، فسنندثر جميعا ونضيع و “تحتلنا الدول وياكلونا”.
خرجت للشارع، فوجدت الحياة تسير سيرها الطبيعي، والناس مقبلين على شؤونهم، والشمس تسير في مسارها المرسوم، وعندما مررت بالشعبة وجدت عم التهامي “قواد الشعبة” بصدد نزع صورة الزعيم وكتابة رسالة ولاء للحاكم الجديد وإخفاء الأشرطة التي تحوي خطب الزعيم.
عدت لهنية لأطمئنها أنه تم إزاحة الزعيم، ولم تقم القيامة، ولم تهاجمنا أي دولة، ولم يتغير ثمن الشاي والسكر.
كنت في أعماقي، لا سعيدا ولا حزينا
انزاح حكم العجوز المتصابي الذي أسس مزرعة تنط فيها القردة والنسانيس بلا دستور ولا قوانين ولا دولة حقيقة ليحل محلة سوبر فليك (بوليس) جاهل استباح البلاد ودمر البقية الباقية فيها.
الطيب الجوادي