سفيان طوبال “ريتشارد قلب الأسد” !!!
صالح التيزاوي
شاع في تونس بعد الثّورة مصطلح “اللّحّاس” وهو من مشتقّات “القوادة”، ولمن لا يعلم فإنّ مصطلح “القوًاد” يطلق في في اللّغة العربيّة على سمسار الفاحشة، من يدير شؤون المرأة البغيً. ثمّ أطلق على المتعاونين مع الإحتلال الفرنسي، ويسمّونه “الحركي” في الجزائر. ثمّ استعير ليطلق لاحقا على المتعاونين مع منظومة الحكم الإستبداديّة في دولة الإستقلال. والقوًادون يقومون بهذه الخدمة طمعا في مكسب.
وفي مرحلة الثّورة أبدع الثّوّار مصطلح “اللّحّاس” الذي هو في الأصل كان قوّادا على أهله وعلى زملائه في الشّغل وعلى جيرانه وعلى كل ما “يهبّ ويدبّ” على وجه الأرض. وأن لم يجد من “يقوّد به” فلربّما قوّد بنفسه. اللّحّاس يمكن أن يكون غنيّا أو فقيرا، يمكن أن يكون من “الثّقفوت” ومن “الجهلوت”.
اللّحّاس تلقّى تدريبات “عالية الجودة” في الشُّعب على كامل تراب الجمهوريّة. علّموه أنّه يجب عليه في كلّ جملة ينطقها أن يذكر ثلاثة أمور: يمجّد “صانع التّغيير” بكلّ ما يستطيع ويلعن معارضيه بأقسى ما يستطيع ثمّ يناشد. ونوادر “اللّحّاسين” في هذه البلاد كثيرة، اتخذت شكل برامج من “قافلة تسير” حتّى “أرضي وفاء بالوعود” مرورا بـ “توجيهات الرّئيس” و”يا سيّد لسياد”. وازدهرت سوق “التلوحيس” في الحقبة النّوفمبريًة حيث ظهر “لحّاسون جدد” يميلون مع المخلوع حيث مال فظهر شعار “اللًه أحد والزّين ما كيفو حد” ومن نكد الدّهر أنّ البعض من أصحاب الشّهائد العلميّة يحضر مطأطئ الرّأس أمام “الحجّامة” وهي تخطب فيهم أو “تحاضر” بمناسبة يوم العلم (أو لعلّه يوم الجهل والجهالة). ويلهبون أكفّهم بالتّصفيق كلًما توقًفت في موضع من خطبة كتبها لها أحد الحاضرين من “الثّقفوت”.
والأغرب في هؤلاء “اللّحّاسين” أنّ التّنافس كان على أشدًه بينهم: أحدهم (مثلا) يكتب عن المناشدة، الثّاني “يحب يطيّح عليه” يكتب عن تطوير المناشدة. وصل الأمر بأحد هؤلاء اللّحّاسين أن كتب ذات مرّة بطاقة جعل لها عنوانا “لماذا نحبّه ؟” يقصد بطبيعة الحال المخلوع. وكتب فيه كلاما ما كتبه ولد في والده. تصوّروا هذا الكائن تطاول على مقام الثّورة وكتب يقول “كلّما أشاهد سامية عبّو ألعن جد… بو.. الدّيمقراطيّة… و”الزّلم” معه كلّ الحقّ” على خاطر موش متعوّد بالحّرّيّة، وزيد على خاطر المناضلين زمن الجمر يذكروه بهوانه وتلوحيسه فيشعر بالإنكسار، وفوق هذا الكل فإنّ الثّورة لا تدفع على “التّلحيس”. ولتلك الأسباب ربطوا مصيرهم بالثّورة المضادّة وجعلوا أمرهم وأمرها أمرا واحدا.
زميلته في الصّحافة النّوفمبريًة وفي التّلحيس أيضا كان يرسلها التّجمّع المنحلّ لمراقبة الإنتخابات المزيّفة لتكتب تقريرا عن “نزاهة انتخابات” يتمّ الإعلان عن نتائجها من بهو وزارة الدّاخليّة، وهي اليوم حتّى بعد الثّورة توزّع شهادات في حسن السّيرة والسّلوك على أعوان المخلوع. لحّاسة أخرى من “الوزن الثّقيل” تقول ممتنّة على التّوانسة وملمّعة للمخلوع “كنت أيّام البرد القارس أوزّع الأغطية على الزواولة ولكنّها لا تذكر أنّ تلك الأغطية من أموال صندوق (26/26) وهو مموّل من جيوب التّونسيين. يعطي منه المخلوع بعض الملاليم لفقراء لحّاسته فيما ينفرد هو بالقسط الأكبر.
ليس مستغربا هكذا سلوك من هكذا لحّاسين، لكن أن يصبح سفيان طوبال “قلب الأسد” فهذا مستغرب ممّن عرفتهم ساحات النّضال ولم يطأطئوا رؤوسهم زمن المحرقة النًوفمبريًة.
ونسأل اللًه أن لا تكون “هذه الشّطحة” تدشينا لمرحلة جديدة تزيد السّياسة قرفا على قرف.