عن مدينة الثقافة أو شيئ كهذا
كمال الشارني
شيء من الفدلكة في عالم جاد (متجهم):
بعد تدشين مدينة الثقافة، من حق الفلاحين أن يطالبوا بإنشاء حتى دوار أو “أربعة ديار وكلب” للفلاحة بحجة أن ذلك سيساهم في جعل الطماطم تنزل من عليائها، لكن ذلك يجعل القشارة يموتون من الضحك كما مات المثقفون من الضحك والسأم كل مرة يرون فيها المبجل وزير الثقافة يعلق بلاكة لا تسوى خمسة دنانير في ما يسمى ساحة الثقافة أو الفنون أو شيئا كهذا لتصبح في اليوم الموالي مصب فضلات، أيه، والكناطرية والموردون ؟ شكون بيهم ؟ أليس من حقهم أن تكون لهم مدينة للأفاريات والقلم والميسرة ألا يمثلون نصف النشاط الاقتصادي لهذا الوطن الكئيب ؟ بقيت فئة تمثل أكثر من نصف مليون دينار شهريا، وهم باعة الخمر خلسة، وهم لا يطلبون مدينة خاصة بهم، بل إغلاق نقاط البيع الرسمية والتضييق عليها، حتى يقوى القلم، اقتداء بالأيام المجيدة لسيدهم الأكثر شهرة آل كابوني في زمن تحريم الخمر في أمريكا المجيدة.
وما دمنا في الفدلكة، فإن أهم ما في مدينة الثقافة، هي أسماء من سيتم تعيينهم فيها، أولئك الذين سيعطيهم الباي أحصنة من كبار المثقفين، جزاء لهم على الإمعان في التثقف وأشياء أخرى لكي يوزعوا بدورهم الوعود وحمير الركوب على من تالاهم، وفي إطار الفدلكة دائما، فإن ثمة شبابا ثقفوتا جدا، يسأل عما إذا كان مرمة مدينة الثقافة ستتيح لهم الاستمرار في الإنفراد بصديقات الصدفة وتدخين جونتة حقيقية بين أطلال المدينة أم أنه سيتم تطبيق قانون البوسة والإجابة على سؤال “شكون إلي معاك”، وهيا معانا للمركز أو جرّ على بوشوشة والتحليل وربما حتى فحص المؤخرة عافانا وعفاكم الله.
كل واحد يرى مدينة الثقافة من مصلحته، والدليل أن المرمة مستمرة منذ 12 عاما، أليس في هذا مصلحة لطرف ما ؟
الثقافة لم تعد وسيلة للمقاومة: نحن شعب قديم جدا، منتهي الصلاحية
حين تموت طفلة في العاشرة من العمر في فيضان الوادي، لا أستطيع أن أنسى وجوه المحتفلين بافتتاح مقهى بخمسة ملايين دينار، حين يبيت طفل في العراء لعدم قبوله في مبيت المعهد، أتذكر تبجحهم بسهرة ذات عشرين ألف دينار لأقل من عشرة أشخاص، حين تنتحر تلميذة ذات روح هشة مثل أرواح الفراشات بسبب مسلسل تركي بائس يمجد تعدد الزوجات وجمال الجواري والخادمات وقصص الحب السلطاني المزيف ومؤامرات الحريم، أتذكر الحملة على القلوب التركية البيصاء التي تدمر اقتصاد الوطن حيث لا أحد يفكر في خراب اقتصاد المشاعر والقيم، أتذكر غياب الأعمال الدرامية الوطنية الحقيقية التي تعطي معنى للأمل والطموح بسبب غلبة ثقافة الزنوس على المشهد، أولئك الذين لم يخلقهم الله للكتابة ولا حتى للقراءة، حين أرى طفلا سعيدا برمي نفسه في البحر قبل أن يلفظ الماء المالح جثته مقلوبة على وجهها، أتساءل بألم عن الشيء الخاطئ في هذا الوطن: الثقافة لم تعد وسيلة للمقاومة،
نحن شعب قديم، ثلاثة آلاف عام يا إلاه الفقراء ؟ لقد تجاوزنا بكثير كل تواريخ الصلاحية، علينا أن نعيد اختراع كل شيء من جديد، بدءا بإخضاع الأثرياء للضريبة مثل الفقراء، وصولا إلى إبعاد الزنوس الذين تعرفونهم عن مجال الإبداع.