تدوينات تونسية

“ما رأيك في الدكتور عدنان إبراهيم” ؟

بشير العبيدي
#أقولها_وأمضي
“ما رأيك في الدكتور عدنان إبراهيم” ؟ هذا السؤال كتبتْهُ لي أنامل عدّة، خصوصا من فئة الشّباب.
وهذا السؤال له وجهٌ إيجابيٌّ وآخر سلبيٌّ، فمن جهةٍ، يسرّني أن أرى بعض القرّاء يعطون لرأيي وزناً، ومن جهةٍ أخرى، يزعجني أن أغترّ بهذا الوزن فأكتبَ عن النَّاس شيئاً أظلمهم به.
ولذلك أفكّك السّؤال أوّلا : “ما رأيك في الدكتور عدنان إبراهيم” ؟ وههنا لا جواب لي، فلا يهمّ أن يكون لي رأي في هذا الرجل، ولا هذا الرجل يهمّه رأيي فيه. أما السؤال فينبغي أن يكون : “ما رأيك في أفكار ومواقف وأقوال وأفعال رجل اسمه عدنان إبراهيم”؟ وعن هذا السؤال أجيب :
أوّلاً، من حقّ كلّ إنسان في هذا الوجود أن يبدي رأيه بحرّيّة ومسؤولية، في جميع الموضوعات التي يراها جديرة بالاهتمام، وليس في خلدي موضوع واحد أستثنيه، فلا حدود لحرّية الرّأي إطلاقا، ولا حدود لحرّية الردّ على الرّأي إطلاقا، طالما التزم الجميع بأدب الحوار والنقاش، والفيصل في الترجيح هو لقوّة الحجة ورسوخ الدليل وثبوت البرهان واتساق المنطق وشهادة الوقائع. ومن هذا الباب، فعندي أن عدنان إبراهيم وغيره من الماضين والمعاصرين والذين لم يولدوا بعد، من حقّهم أن يتكلّموا ويعبّروا ويعرضوا بضاعتهم، لا اعتراض لي في ذلك أبداً. وسأعارض كلّ من يلجأ لترّهات التفسيق والتكفير والتبديع والإخراج من الملّة ضدّ عدنان إبراهيم أو غيره، بسبب خلاف فكري أو سياسي أو دينيّ.
ثانيا : لماذا يهتم كثيرون بأفكار ومواقف وأقوال وأفعال عدنان إبراهيم وتزعج آخرين ؟ يعود ذلك عندي إلى الفراغ الفكري المخيف والإفلاس القيمي والأخلاقي الذي تردّت فيه مجتمعاتنا العربية، في ظلّ وجود ثلثي المجتمعات العربية في سنّ دون الثلاثين من العمر. ولأنّ الطبيعة تأبى الفراغ، فلقد جاء من يملأ هذا الفراغ ويفثأ عطشا فكريا مُلحّا لدى الشباب الذين يتساءلون ولا يجدون الإجابة المقنعة، لا في الأطر والهياكل التقليدية النخرة، ولا عند النخب المريضة المهترئة والمنبتة، ولا في الأحزاب والتنظيمات التقليدية الجامدة شبه الميّتة، ولا في كتب الماضين الذين كتبوا لأزمنتهم وعهودهم وعصورهم، ولا عند وعّاظ الفضائيات الذين تقف خلف أكثرهم أجهزة المخابرات العربية توجههم وتهمس في آذانهم ما ينبغي عليهم ترويجه من ضحالة وتبسيط وتسطيح فكري مقيت. وكما استغلت منظمة “القاعدة” هذا الفراغ وحشدت ألوف الشباب لطوابير الموت في أفغانستان وغيرها، وكما استغلت منظمة داعش ألوف الشباب وسخَّرتهم لتخريب الربيع العربي بشعارات مزيفة مضروبة، يأتي كذلك من يستغل الفراغ من كل نوع، فيهتم النَّاس الحيارى بأيّ صوت يأتيهم بالجديد، لا سيما إن كان صاحبه له اطلاع ومطالعة وصاحب لسان ذرب، ووجد في ظروف مواتية وكان اتجاه الريح بما تشتهي سفنه ! فهذه سنة ملء الفراغ لا ترحم أحدا، فهي من سنن الكون في العمران البشري كما في الفيزياء : إن تترك فراغا يأتي من يملأه، وبعدها تحتاج لعشرات السنين لكي تصلح ما فسد أو تسترد ما فُقد !
ثالثاً : ما هي الموضوعات التي تدور عليها الرحى ​​عند​ السيد عدنان إبراهيم؟ إنني أدعو أن يقوم الباحثون بدراسة موضوعية دقيقة لجميع الموضوعات التي خاض فيها عدنان إبراهيم منذ طلوع بدره إلى اليوم. ​​ذلك أنه لو تم تدارس هذه الموضوعات بآلية علم تحليل الخطاب، ولو تم حصر مشاركات الرجل الإعلامية وتردد ظهوره هنا وهناك، ولو تمّ ضبط أكثر الكلمات المتكررة في خطابه وأكثر الجمل استخداما في أسلوبه وأكثر الشروح الواردة في مداخلاته، وأكثر الفئات تأثرا بكلامه، وأكثر الجهات اهتماما بمواقفه، لكانت لنا وسيلة علمية حديثة ومعايير موضوعية محايدة لمعرفة جغرافية وتضاريس أفكار الرجل وانتشارها في العالم، ولكنا في غنى عن تخطيئه وتفسيقه وتبديعه، ولكنا أبعد عن تقديسه وتقديمه والاندهاش به. إنني أدعو جميع من يهتم بالفكر والنظر أن يتوخى الوسيلة الصحيحة لتناول مثل هذه المواقف الفكرية، وأن تتوقف ردود الفعل العاطفية الهوجاء التي أثبتت هزائمنا المتكررة أنها لا تنفع في شيء. لنتوقف عن نصب خيام المناحات الفيسبوكية، ولنغير طريقة تفكيرنا وتعاطينا مع الأفكار الجديدة، لكي نحاول الانتفاع بآليات النقد الحديثة.
وعن طريق هذه الآلية العلمية التفكيكية التركيبية، سنكتشف بكل يسر، وبالإحصائيات التي لن يستطيع إنكارها أحد، وبالأدلة المعيارية، هل الموضوعات التي تدور عليها رحى مقولات الداعية عدنان إبراهيم هي خصومات السيدة عائشة رضي الله عنها مع علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه، ونزاعات الإمام الحسين رضي الله عنه مع يزيد بن معاوية، ما هي الفوائد الثقافية والفكرية والعلمية والاجتماعية المعاصرة التي نستفيدها من معرفة من المخطئ ومن المصيب من الصحابة؟ هل ينبني على ذلك عمل أو نتيجة؟ أم أن موضوعات الدكتور عدنان إبراهيم، التي تدور عليها رحى أفكاره، هي تكوين الشباب المسلم وتأهيلهم في مجال علوم الرقائق الحاسوبية الدقيقة، وعلوم الفضاء، وعلوم الفيزياء وعلوم تحلية المياه والطاقة البديلة وعلوم الحفاظ على البيئة، والفلسفات الكبرى، ومقولات المنظوماتية، وآخر ما طرحتها نظريات قيادة المجموعات البشرية؟؟ إنني على يقين من أنّنا سنكسب وقتا طويلا وجهدا كبيرا لو كلف المهتمون بعدنان إبراهيم باحثين اثنين، أحدهما من أنصاره، والآخر من خصومه لكي يجروا مثل هذا البحث، وينشروا النتائج بشكل موضوعي، من دون تجريح ولا تقديس، من دون مدح ولا قدح. وإنني على يقين من أن مثل هذا البحث، سيستفيد منه عدنان إبراهيم نفسه، حين يرى بعينيه عدد الأعوام التي يخسرها العالم الإسلامي من تاريخه في سبيل الاستثمار في الحروب الوهمية والقضايا المزيفة.
أدعو جميع المسلمين إلى تغيير طريقة تناولنا للخلافات وإعادة النظر في سبل معالجتنا لموضوعاته وآثاره، وأدعو الشباب خاصة إلى تكوين شخصية مستقلة خاصة بهم، مكتسبة لأدوات النقد والتحليل والمراجعة والمحاسبة، وألا ينجرفوا وراء كل قائل بما في ذلك قولي، كما أدعوهم للتخصص في علم تحليل الخطاب، واستخدام ذات الأسلحة التي يستخدمها السيد عدنان إبراهيم وهي العقل، وسنكتشف بسرعة أنّ الطرق العلمية الحديثة توفر علينا جهودا عظيمة، وتفتح أعيننا واسعة على من يريد الخير للبشر، ومن يريد للناس الشرّ. وإن لم نتدارك أمرنا، فسيبقى شبابنا حطبا لمعارك دونكيشوطية متكررة، لا يتغير فيها سوى الاسم والعنوان.
إن سلامة الأفكار من عدمها تعرف بمعادلة شديدة التعقيد والتقعيد، وليس من أراد الحق فأخطأه كمن أراد الباطل فأدركه، والله غالب على أمره.​
#بشير_العبيدي | محرّم 1439 | كَلِمةٌ تَدْفَعُ ألَمًا وكَلِمةٌ تَصْنَعُ أَمَلاً |

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock