إنتخابات على المقاس، هكذا يحدث في “الجملكيّات”
صالح التيزاوي
لم يعد خافيا أنّ “ولد الرّئيس” يجهّز نفسه لانتخابات جزئيّة ممثّلا للجالية التًونسيًة في ألمانيا. ربًما لاشيء من النّاحية القانونيّة يمنع من هذا التّرشّح، ولكنّه لا يستطيع أن يحجب حقيقة الّتلاعب بالدّيمقراطيّة لتحقيق أغراض لا علاقة لها بالدّيمقراطيّة، هي محض مطامع حزبيّة وترتيبات لمستقبل المشهد السّياسي. فالنّظام القديم في نسخته النّدائيّة كان بارعا منذ جيء به للإطاحة بحكم التّرويكا في ضرب الحرّيّة باسم الحرّيّة. وكلّ ممارساته في الواقع لا تدلًل على احترام الدّيمقراطيّة النّاشئة. بل ربّما رأى فيها عائقا عن إحكام سيطرته على جميع السّلطات وعلى المشهد برمّته. وهي ممارسات كافية لتعريتهم وكافية لتعميق مخاوفنا على مستقبل الدّيمقراطيّة تحت حكم مطلق للنّداء.
أن يترشّح ابن الرّئيس في هذه الإنتخابات الجزئيّة فإنّ أسئلة تقفز إلى الذهن عن الأسباب الحقيقيّة وعن الأهداف. أليس في جاليتنا رجل رشيد أو امرأة حرّة يمكن أن تمثّل الجالية؟ أليس أهل مكّة أدرى بشعابها؟ أليس من المنطقي أن يمثًل الجالية واحد منهم، عارف بمشاكلهم ويزداد المشهد عبثيّة، عندما لا تقدّم حركة النّهضة مرشّحا لها، يعني أنها جعلت مرشّح النّداء في طريق مفتوح إلى البرلمان، بما أن المعارضة لم تتًفق على مرشّح واحد. نفهم أنً مقعدا لا يضيف شيئا لأيً من الكتل ولن يغيّر في مواين القوى. ولكنّ الأمر ليس مجر “شهوة” “لابن الرّئيس” في أن يكون نائبا بالبرلمان حتّى تكتمل زعامته لحزبه. وإنّما لأمر أكبر من ذلك…
لا شكّ أنّ خبرا كهذا يلقي في قلوب من حلموا ذات يوم بتحقيق أهداف الثّورة بمزيد من الإحباط، ولكنًه يعطي الثّورة المضادّة مزيدا من الثّقة بالنّفس في التّحكّم بالمشهد بالكامل وبطريقة ناعمة. ولعلّ ذلك مقصودهم من الحديث عن “الإستثناء التّونسي”:
تصفية الثّورة دون إراقة دماء كما حدث في مصر وسوريا وليبيا، ولن نستغرب بعد ذلك أن يظهر أحدهم ويقول “احمدوا ربّي ما عملناش فيكم كيف ما عمل السّيسي وبشّار وحفتر”.
بعض الطيّبين مازالوا يعيشون على وهم أنّ العودة إلى الوراء باتت مستحيلة. إنّها أمنيات العاجزين الذين سلموا ثورتهم للفاسدين وللمهرّبين وللمتآمرين وللذين غلبت عليهم المطامع
السّياسيّة. عندما يفصّل كلّ شيء على مقاس ابن الرّئيس كما يحدث في “الجملكيات العربيّة” يعني أنّ كلّ شيء قد بات ممكنا، وأصبحت المسألة أكبر من مجرًد توازن بين القديم والجديد لأنّ القديم قد زحف على كلّ شيء وأخذ كلً شيء، مستغلا تفرّق ضحايا الأمس بعد أن سلك كلّ منهم طريقا مغايرا للآخر.
ولن يكتب لهذه الثّورة أن تكتمل إلًا إذا اجتمع ضحايا النّظام النّوفمبري جميعهم على قاعدة استحقاقات الثّورة، وعلى قاعدة شعاراتها الجامعة. ولعلّ هذا ما جعل اليساري محمّد الكيلاني في جرأة نادرة يفاجئ كلّا من العائلة اليساريّة وحركة النّهضة بالدّعوة إلى تحالف “مرحلي” لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. ولكنّ دعوته رغم وجاهتها فهي لا تبدو ناضجة بما فيه الكفاية ويلفّها شيء من الغموض لأنّ صاحب الدّعوة لا يوضّح ماذا يقصد بالتّحالف المرحلي ولا يحدّد أفقه ومداه. أمّا المضيّ في تبادل التّهم عمّن ضيّع الثّورة فلن يستفيد منه إلّا المتربّصون بالثّورة، فهم يتمدّدون
يوما بعد يوم. ربّما نصحو ذات يوم وقد خسرنا ما اعتبرناه “نصف ثورة”.