بشير العبيدي
#أقولها_وأمضي
يشتكي عددٌ كبيرٌ من الشّباب العربيّ من استبعادهم واستعبادهم من طرف الجيل السّابق، جيل الهزائم.
والشّباب محقّون في شكواهم، فهم يمثِّلون أكثر من ثلثي المجتمعات العربيّة، بينما الذّين يستحوذون على المقدرات والثروات والسلطات أقلّية متحكّمة، وغالبيّتهم عُجّز بلغوا من الأعمار عتيّا !
لكنّني أعتقد أنّ الثّقافة والذّهنيّة التي يحملها الشّباب العربيّ الْيَوْم تساهم بشكل مباشر في استبعادهم واستعبادهم واستحمارهم ! نعم ! إنّ الشّباب الذي يشتكي الْيَوْم من التهميش، يساهم في تهميش نفسه بنفسه عن طريق اعتقاده في صحّة فكرٍ خرفٍ نخرٍ، روّجه كبار السنّ، وغلثوه للشّباب كما يُغلث العلف للدّواب.
ومن أبرز مظاهر هذا الفكر الخرف النّخر، رواج الاعتقاد لدى الشّباب في ملائكيّة ناس هذا الوجود وشيطانيّته. فكم من شاب لا يستطيع أن يرى من حوله إلا الملائكة أو الشّيَاطِين. أمّا الملائكة فهم أولئك العجائز الذين تسربلوا في ثوب الطهرانيّة الدِّينِيَّة أو الحداثيّة العلمانيّة، طفقوا يروّجون لأتباعهم من الشّباب أنّهم خلاصة الْقُدُس، وأرباب الحُبُس، لا يأتيهم الباطل ولا يختلهم الخاتل. وَأَمّا الشّياطين فهم من ذات الفئة من العجّز، غير أنّهم أعداءٌ لآخرين من بينهم، ولأنّهم أعداء، لبّسوهم لبوس الأبالسة والعفاريت والجِنّة، فمن تبع هذا رَآه ملكاً، ولأنّه لكلّ مَلَك عدوّ من الشّياطين، انقسم الشّباب خلف العجّز الخرفين النّخرين، فسطاط مع الملائكة من هؤلاء الذين هم شياطين أولئك عند الفسطاط المقابل !
لأجل هذا، يموت كثير من الشّباب العربيّ الْيَوْم ويفني حياته في معارك الآخرين وقوداً رخيصاً سهلاً متاحاً ومتجدّدا ! ولو نظرنا بعين ثاقبةٍ وقلبٍ رحيمٍ وعقلٍ رزينٍ، لاتضحت لنا الصورة في جلاء البدر، وهي أنّ أغلب المعارك والحروب العربية الأهلية والقبلية والقومية والمذهبية والحدودية ليست في حقيقتها سوى معارك الآخرين ومصالح المرابين وشؤون الغاصبين، وليس للشباب فيها سوى سكب الدماء ونزف الدموع وذهاب الفتوّة وراء سراب بقيعة يحسبه الضمآن ماء حتّى إذا جاءه لم يجده شيئا !
– [x] أين الذين قضوا في جميع حروب اليمن؟ أين الذين دفعوا شبابهم في الحرب العراقية الإيرانية؟ أين الذين ماتوا في حرب احتلال الكويت؟ أين الذين دفعوا شبابهم في عشرية الجزائر السوداء؟ أين الذين دفعوا جلودهم في حروب أفغانستان؟ أين الذين حرّقتهم القنابل في الصومال؟ أين الذي قضوا في سورية والعراق ولبنان؟ أين ألوف القاعدة وداعش ومن لفّ لفّهما؟ أين الذين أكلتهم السجون والشجون والمنون؟ كم عددهم؟ أين مقابرهم من يذكرهم؟ ما هي نتائج معاركهم؟ هل تغير لفائدة الشباب شيء جراء عملهم؟ هل تحسنت أوضاع العرب والمسلمين بفضلهم؟ أين الذين أفتوهم؟ أين الذين شجعوهم؟ لا أحد يمكنه أن يجيب ! لأنّ هؤلاء الشباب لم تكن لهم قيمة إلا لإشعال النيران، فإذا خبت النيران ذهب كلّ شيء وبقي الخسران !
حتى الشباب الذي ثار سلميا قبل بضع سنوات، جاء العجّز الخرفين وافتكوا منه إنجازه العظيم، وأوهموه – بخبثهم الذي تنوء به الجبال – أن ثورتهم أمريكية الصنع وأنّ الحكمة تقتضي أَن يقود العجّز تلك الثورات ! ما أمكرهم من منافقين !
والأعجب أنّ الإعلام العربيّ البائس مازال يروّج ذات الخطاب منذ عشرات السنين، ويجيّش الشباب لقضايا وهميّة ومعارك جانبيّة، بينما المعركة هي الكرامة والحرّية، المعركة هي الوعي. المعركة هي ضد الاستبداد الذي يمارسه العجّز الخرفين جيل الهزيمة الذي شرّب لنا الجبن وأسس للخنوع وجرّعنا الهوان !
ولا يمكن التخلّص من هذا الشرّ العربيّ النكد إلا بأنسنة الوجود، والانتصار للعقل، والتساؤل والتفكير والشك والتدبير. لا يمكن أن نواصل الإيمان بالملائكة أو بالأبالسة من البشر، إنَّما الإيمان بعد خالق الكون سبحانه لا يكون إلا بإنسانية الإنسان. إنه واجب النقد والتفكيك والتشكيك والمراجعة والمساءلة والمقارنة والنظر في الأشباه والنظائر، والمقارنة بين الأوضاع والأحوال، لكي لا يضحك بعد الْيَوْم أحد عن هذا الشباب الجميل الطيب الوديع الذي أعطى ثقته كاملة في جيل أخرق عبث به واستغله واستباحه واضطهده !
ما ينبغي أن يخيفنا النقد والمراجعة والمحاججة. الذي يخيفنا ينبغي أن يكون ذلك الفكر المحنّط الكهنوتي الذي يدّعي القدسية والطهرانية للأفكار والأشخاص – أيا كانوا – بينما هو في حقيقته فكر وظيفي مهمته سلب الإرادة واستبعاد الشباب عبر استعباد عقولهم.
ما آمنت يوما بالعنف، لأنني أفرّق بين العنف والقوة. القوّة لا تكون إلا في الانسجام. الثورة العربية الوحيدة القوية التي ماتزال تنتظر الولادة هي ثورة العقول. هي ثورة الأخلاق. هي ثورة الكينونة. هي ثورة المستضعفين. هي ثورة الجمال. هي ثورة المعنى.
تحرّروا، تبّاً !
✍? #بشير_العبيدي | محرّم 1439 | كَلِمةٌ تَدْفَعُ ألَمًا وكَلِمةٌ تَصْنَعُ أَمَلاً |
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.