من هو متين طوبوز ؟ الذي تسبب في توتر العلاقات التركية الأمريكية
محمود عثمان
خاص ترك برس
في تطور بدا لافتا ومفاجئا ودون مقدمات، أعلنت السفارة الأمريكية في أنقرة، التوقف عن قبول طلبات التقدم للفيز من قبل كافة البعثات القنصلية الأمريكية في تركيا ما عدا فيز الهجرة. البيان الصادر عن السفارة الأمريكية عزا القرار إلى ضعف إجراءات الحماية التركية للبعثة الديبلوماسية.
الطرف التركي لم يتأخر بالرد على القرار الأمريكي. إذ سرعان ما أعلنت السفارة التركية في واشنطن عن تعليق إجراءات منح التأشيرات في جميع البعثات التركية في الولايات المتحدة. بيان السفارة التركية في واشنطن كان مطابقا تماما لبيان السفارة الأمريكية كلمة بكلمة وحرفا بحرف.
الرئيس أردوغان قال بصريح العبارة: “نحن لسنا دولة قبيلة… نحن دولة قانون. نرد على الفعل بمثله”. رئيس الوزراء يلدرم أشار في كلمته أمام كتلة حزبه البرلمانية، إلى أن السفارة الأمريكية طلبت تعزيزات أمنية إضافية، وقد تمت تلبية طلبها بأسرع وقت.
مع مشارفة محاكمة المتورطين بالمحاولة الانقلابية الفاشلة بتاريخ 15 تموز/ يوليو، على النهاية، وبدء ظهور الأحكام القضائية بحق العسكر الذين أدينوا، وتراكم المعلومات التي تشير بأصابع الاتهام نحو ضباط في حلف الناتو والبنتاغون الأمريكي، بدأت وتيرة الضغوط على حكومة العدالة والتنمية بالصعود. وقد بلغت أوجها عقب استجواب القضاء التركي قبل أيام المدعو “متين طوبوز” العامل لدى القنصلية الأمريكية، ثم أعقب ذلك استدعاء النيابة العامة التركية موظفا آخر لدى القنصلية نفسها للاستجواب بناء على اعترافات أدلى بها الموظف الأول.
الشخص الثاني الذي استدعته النيابة التركية يعمل لدى القنصلية الأمريكية بإسطنبول، لكنه غير مسجل ضمن البعثة الدبلوماسية الأمريكية، أي ليس له حصانة دبلوماسية. لذلك اختبأ في مبنى القنصلية الأمريكية، ولم يستجب لقرار النيابة، التي أصدرت أمرا بتوقيف والده وأخيه، حيث توجد تهم بحقهم بانتمائهم لمنظمة “غولن” الإرهابية.
تأتي هذه التطورات بعد أن قضت محكمة الصلح والجزاء المناوبة في إسطنبول بحبس “متين طوبوز” على ذمة التحقيق معه، بتهم بينها “التجسس” و”محاولة الإطاحة بالنظام الدستوري”، و”السعي للإطاحة بالحكومة التركية”.
من هو متين طوبوز؟
متين طوبوز مواطن تركي يعمل في القنصلية الأمريكية بإسطنبول منذ 35 عاما. لكن السلطات الأمريكية لم تدرج اسمه ضمن بعثتها الدبلوماسية في تركيا. تبين للنيابة العامة خلال التحقيقات في المحاولة الانقلابية الفاشلة، ارتباط متين طوبوز، الذي يحمل الجنسيتين التركية والأمريكية، بالمدعي العام السابق الفار “زكريا أوز”، وعلاقته بمديري أمن كانا يعملان في قسم مخابرات الشرطة، يشتبه في انتمائهما لمنظمة الكيان الموازي.
محكمة الصلح والجزاء المناوبة في إسطنبول قضت بحبس متين طوبوز على ذمة التحقيق معه، بتهم عدة من بينها «التجسس لصالح جهات أجنبية » و«محاولة الإطاحة بالنظام الدستوري»، و«السعي للإطاحة بالحكومة التركية».
وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو تحدث عن وجود أدلة خطيرة ضد موظف القنصلية، وشدد على أنه في حال ثبوت ارتكاب المتهم لأية جريمة، فإن عمله لدى جهة معينة لا يمنحه الحصانة من المساءلة القانونية.
لائحة الاتهامات بحق موظف القنصلية الأمريكية في إسطنبول “متين طوبوز” طويلة جدا، ومليئة بالأحداث المثيرة. فقد تضمنت لائحة الاتهامات، وجود مئات الاتصالات بينه وبين مدراء أمن سابقين خططوا ونفذوا عمليتي 17 و25 كانون أول/ ديسمبر 2013 ضمن ما سمي بمحاولة الانقلاب القضائية ضد أردوغان، وعلاقته بأشخاص شاركوا في المحاولة الانقلابية الفاشلة بتاريخ 15 تموز 2016.
كما ثبت أن له اتصالات مماثلة بـ121 شخصا يخضعون للتحقيقات بتهمة الانتماء لمنظمة الكيان الموازي الإرهابية. كما تنص قائمة الاتهام على استخدام طوبوز لنظام الاتصال الخاص بالكيان الموازي “باي لوك” الذي تقول السلطات التركية إنه يلجأ إليه أعضاء المنظمة للتواصل السرّي فيما بينهم.
تشير التحقيقات إلى أن متين طوبوز قام بترتيب سفر عدد من مدراء الأمن الذين يشغلون مواقع حساسة، مثل يعقوب صايجيلي وابراهيم شنار وياسين طوبجو، إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وترتيب لقاءات جمعتهم بالمدعي العام الأمريكي (Bharara)، الذي أصدر أمرا باعتقال نائب مدير بنك خلق HALK BANKASI. وملاحقة حراسة الرئيس أردوغان، والناطق الرسمي باسم الرئاسة التركية ابراهيم كالن، وهو الذي يشرف على عدد من الدعاوى الشائكة ذات النكهة السياسية، التي تهدف لابتزاز تركيا والضغط عليها باسم القضاء المستقل!.
السلطات التركية وثقت أيضا أن “متين طوبوز” الذي يعمل في القنصلية الأمريكية منذ عام 1982، سافر خارج تركيا 120 مرة بين عامي 1994 و2017، وأنه كان يستخدم رقم هاتف محمول مسجل باسم شخص آخر، وحسب لائحة الاتهام فإن طوبوز كان يقوم بدور الوسيط بين الانقلابيين، وبين دول وأجهزة استخبارات أجنبية تعتبر الفاعل الحقيقي لهذا الأمر، حسب لائحة الاتهام.
المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين قال إن “مقاطع من اتصالات هاتفية تؤكد وجود تواصل بين موظف القنصلية الأمريكية طوبوز وشخصيات رئيسية، لعبت دورا أساسيا في المحاولة الانقلابية الفاشلة 15 تموز”.
متين طوبوز التقى عادل أوكسوز صبيحة يوم الانقلاب 15 تموز. وكان قد لعب دورا محوريا في عملية “شاحنات الاستخبارات” حيث أثبتت التحقيقات وجود اتصالات يومها بين “الأئمة” مدبري العملية والقنصلية الأمريكية في إسطنبول.
مجلة “إيكونوميست” البريطانية اعتبرت أن قيام السلطات التركية باعتقال الموظف التركي بالقنصلية الأمريكية واعتقالات أخرى سابقة بنفس التهمة يهدف إلى الضغط على القضاء الأمريكي من أجل تسليم زعيم الكيان الموازي “فتح الله غولن” المسؤول الأول عن الانقلاب الفاشل. كما ادعت المجلة أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لم يحاول نفي هذا الاعتقاد.
أسباب كثيرة ساهمت في تدهور العلاقات التركية الأمريكية. على رأسها اعتقاد تركيا بأن لواشنطن يدا في محاولة الانقلاب الفاشلة، وتسليح الولايات المتحدة اللامحدود لمليشيات وحدات الحماية الكردية، التي تعتبرها أنقرة منظمات “إرهابية”. بالإضافة إلى شراء تركيا منظومة صواريخ S400 الروسية. لكن اعتقال الجاسوس “متين طوبوز” أثار حفيظة الأمريكان أكثر من أي سبب آخر. إلى درجة أفقدتهم توازنهم، ودفعتهم إلى إجراء خشن، بحجم إيقاف منح الفيز للمواطنين الأتراك.
من الواضح أن أنقرة وضعت يدها على خزينة من المعلومات من النوع الذي يحرج واشنطن.