حدود الأزمة التي تعصف بالبلاد
زهير إسماعيل
فعلا عشنا في ستّ سنوات ما لم نعشه في ستّين عاما. وهذا من بركات الحريّة المعمّدة بدماء الشهداء.
لكن الأهم من كلّ هذا أنّ جميع تعبيرات الطيف السياسي عاش، في هذه السنوات الست أو السبع، الحكم والمعارضة. والحكومات العشر المتتابعة منذ 2011 تشهد بهذا. ولا عبرة بمكابرة البعض وعلى رأسهم الجبهة التي تتوهّم أنّ عذريّتها السياسيّة ماتزال قائمة. وتتناسى أنّ مهمّة إعادة القديم بإنقاذه من “المحاسبة” في مرحلة التأسيس أذْهب بالعذريّة من مهمّة تمكينه من “المنافسة” في مرحلة الانتقال الديمقراطي. والمهمّتان مدانتان رغم اختلافهما في الدرجة.
وفي كلّ الحالات يعرف الناس مجموعة كبيرة من الوزراء المحسوبين على الجبهة، رغم اشتراكها مع التجمّع في أكثر من وزير. إذ توجد صعوبة في تصنيف بعضهم هل هو من “اليمين الماركسي أم من “اليسار التجمّعي”.
وأيّا كان الأمر، فإنّ مشاركة الجميع -ثوريين وأزلاما، وقديما وجديدا- في الحكم تجلّت في أمرين أسيين:
• تكافؤ الأدلّة: ويظهر ذلك إلى حدّ التكرار الممل في المواجهة بين من انتسبوا للترويكا مع ممثّلين عن القديم العائد. وكان أكثر ما يواجه من كانوا في الترويكا، حين ينقدون منظومة الحكم الحاليّة هو سؤال: آش عملتوا منين كنتم تحكموا؟
واليوم لا يواجه القديم العائد وحلفاؤه من النهضة إلا بفشله. وكثيرا ما يغفل الناس عن أنّ القديم الذي استكثر على الترويكا سنتين من “الحكم” صار له في الحكم ثلاث سنوات والحالة تتجه إلى الكارثة. ولو كانت هناك مقارنة منصفة بين الحكمين لرجحت كفّة الترويكا، رغم أنّه من العسير ألا نقرّ بأنّ هذا من ذاك، مهما برّرنا.
• يأس الناس من المشهد السياسي بأحزابه جميعا، ولم يعد من معنى واضح للتمييز، في أذهان الناس، بين القديم والجديد. وقد كشف سبر الآراء الاخير لـALEKA consulting عن هذه الحقيقة المفزعة. والمهمّ ليس نظرة الأحزاب لأنفسها وإنّما رأي الناس في الطبقة السياسيّة، فالناس هم موضوع السياسة وغايتها. وتصورهم هو المحدّد، لذلك تجتهد الأحزاب في استمالة الناس والتأثير عليهم وإقناعهم ببرامجها.
والنتيجة المهمّة التي نخلص إليها، وهي غاية هذه التدوينة، هي أنّنا في حاجة إلى رسم حدود الأزمة إذا أردنا الخروج منها. فالأزمة كما حدّدناها سابقا هي أزمة منظومة الحكم، وهي أزمة مركّبة لجمعها بين أزمتين:
• أزمة حكم: (صراع مكونات التحالف الحاكم، وغياب الرؤية والبرنامج، وعجز القديم على التجددّ) وأزمة ماليّة اقتصاديّة متفاقمة تفتح الدولة على الإفلاس والمجتمع على الجوع والمسغبة.
• أزمة معارضة: بصنفيها الوظيفي والعضوي.. ولئن منح سبر الآراء النهضة والنداء الحاكمين 3% فإنّه أكرم المعارضة العضويّة بـ1% وشرّف المعارضة الوظيفيّة بـ0% أي أحالها على التقاعد الوجوبي. بالإضافة إلى 83% من التوانسة مقاطعون أو هم مترددون أو لا يعرفون أي حزب يختارون. وجرت العادة أنّ انحدار أحزاب الحكم في نسب التصويت يقابله ارتفاع في حظوظ المعارضة أو بعض تعبيراتها. ولكنّ النتائج التي بين أيدينا تشير إلى انهيار شامل، وأنّ الدرس في غاية البلاغة لمن أراده.
هذه الأزمة لابدّ من ظهور “استجابة سياسيّة” للخروج منها، ولكنّ شرط هذه البداية أن تنطلق من وعي بأنّ الأزمة شاملة، وإنْ اختلفت درجاتها ونسب مسؤولية مكونات الطبقة السياسيّة والأحزاب فيها.
وإنّ أهم رسالة لسبر الآراء الأخير هي أنّ وجودك في المعارضة وحتّى تناقضك مع السيستام (هذه حالات نادرة في مشهدنا اليوم) لا يجعلانك خارج المسؤوليّة عن الأزمة التي تعصف بالبلاد.
سكتنا عن العوامل الخارجية المؤثرة في المشهد، لاعتبارنا أنّ محصّلها قائم في الشروط الداخليّة وليس بإمكان التوجيه الخارجي الفعل إلا عن طريق الفاعلين المحليّين.
الاستجابة غالبا ما تنطلق في غفلة من الجميع، وخاصّة حينما يقترب الصراع من حرب الكل ضدّ الكل. ويستيئس الجميع.