الأحد 1 يونيو 2025
صالح التيزاوي
صالح التيزاوي

انفصال الأكراد: “أرضنا تنقص عاما بعد عام”

صالح التيزاوي
انفصل جنوب السّودان عن شماله مستأثرا بما فيه من ثروات نفطيّة، ورغم تغيّر الجغرافيا السّودانيّة فإنً الرّئيس السّوداني مازال متمسّكا بالرّئاسة. والآن جاء الدّور على العراق، حيث أعلن الأكراد انفصالهم عن الوطن الأمّ. يبدو أنّ العرب قد دخلوا مرحلة “ما بعد سيكس بيكو”: مرحلة تقسيم المقسّم وتجزئة المجزّا، ولا أحد يدري على من سيكون الدّور مستقبلا؟ فهل هذا هو الشّرق الأوسط الجديد الذي بشّر به الأمريكان ودشّنوا عصره بغزو العراق وتدميره؟ فما هي أسباب أنفصال الأكراد؟ وما هي تداعياته على العرب؟
يأتي إعلان الإنفصال والعرب في أسوإ مراحل انحطاطهم وانحدارهم: أنظمة عربيّة مرتهنة بالكامل للإستعمار، خلافات حادّة بين أنظمة حكم لا تفكّر إلّا في الإحتفاظ بالسّلطة، حروب أهليّة بسبب الثّورة المضادّة التي تزعّمها “آل زايد” و”آل سعود” و”العسكر في مصر”. جنّدوا لها اراذل القوم من مرتزقة الإعلام والسّياسة والمال لقطع الطّريق على خيار الأمّة في التّحرّر من الإستبداد. فهل انفصال الأكراد يعبّر عن اليأس من انصلاح حال العرب ؟ أم هو ردًة فعل على ما لقيه الأكراد من اضطهاد تحت حكم الدّولة القوميّة، التي تجاهلت خصوصياتهم الثّقافيّة في البلاد العربيّة؟
عندما يتحدّث الأكراد عن تجربتهم مع الأنظمة العربيّة فإنّك تجد في حديثهم غصّة ومرارة. ويستدلّون على معاناتهم بحادثتي (حلبجة والأنفال) وما خلّفتاه من ضحايا ومن جراح بليغة عزّزت الرّغبة في الإنفصال. فكان الغزو الأمريكي للعراق والإطاحة بنظام صدّام حسين الفرصة المناسبة لتحويل حلم الأجداد إلى واقع، رغم انخراطهم في العمليّة السّياسيّة التي قادها الحاكم العسكري الأمريكي “بول بريمر”.
لا أحد يستطيع إنكار الظّلم الواقع على الأكراد وهو ظلم في الحقيقة لم يميّز بين كرد وعرب، طال كلّ المعارضين على اختلاف مشاربهم الفكريّة. إنّ ما اصطلح عليه بـ”الدّولة الوطنيّة”، وريثة الإستعمار المباشر كانت “عادلة” في توزيع ظلمها على الجميع، إنفاذا لشهوة حكّامها في الإنفراد بالسلطة والثّروة. ولكنّ هذا الوضع لا يعفي الأكراد من المسؤوليّة عمّا جرى. فهم لم يخفوا منذ انفصل العرب عن الدّولة العثمانيّة نزعاتهم الإنفصاليّة بتزكية من الدّوائر الإستعماريّة والصّهيونيّة ولم يكن ذلك خافيا على الزّعيم الرّاحل “صدّام حسين”، الذي لم يجد من الأكراد إبّان الحرب “العراقيّة الإيرانيّة” وإبّان حرب الخليج الأولى والثّانية ولاء للدّولة. بل رأى فيه تآمرا مع أعداء العراق على الدّولة العراقيّة. انفصال الأكراد لا شكّ أنّه خسارة فادحة للعربّ، ولكنّه لن يكون كسبا للأكراد الذين قد يواجهون صعوبات ومشاكل جمّة في محيط عربي ينظر إليهم بعين الرّيبة، خاصّة في ظلّ الدّعم الصّهيوني للإنفصال.
واضح للعيان أن الإنفصال سيلحق ضررا بالغا بالعرب والأكراد على حدّ سواء، ولن يستفيد منه إلّا الصّهاينة الذين أيّدوه انتقاما من تركيا الدّاعمة للمقاومة الفلسطينيّة، لأنّ انفصال أكراد العراق قد يغري أكراد تركيا وسوريا وإيران أيضا بالإنفصال تحقيقا لحلم “جمع الشّتات الكردي في دولة واحدة”. وعلى الأكراد أن لا يفرطوا في الأمل لأنّ دعمهم من الصّهاينة ومن بعض الهيئات والجمعيات النّاطقة باسم القوى الإستعماريّة لا تدعم الأكراد حبّا أو تعاطفا وإنّما خدمة لمصالحهم، ولا أدلّ على ذلك من دعم الحركات الإنفصاليّة في السّودان وفي العراق تحت عنوان حماية الأقلّيات وفي نفس الوقت يواجهون إنفصال “كاتلونيا” ويغضّون الطّرف عن استخدام الدّولة الإسبانيّة للعنف في محاولة منها لمنع الإستفتاء. إنّها ازدواجيّة المعايير في أوضح تجلّياتها. فهل
يعقل العرب والأكراد ؟


اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

صالح التيزاوي

هل هي ليلة بدء الحساب؟

صالح التيزاوي  لقد سبق للكيان منذ عام 48 أن واجه أنظمة عربية ولكن لم يسبق …

صالح التيزاوي

الأمّة الصّائمة و الصّامتة

صالح التيزاوي  يقول الأمريكان وبعض حلفائهم، إنّهم يبحثون إنشاء ميناء بحري في غزّة لإغاثة أهلها …

اترك تعليق