تدوينات تونسية

عاشوراء.. شكْرٌ ؟ أم نِياحةٌ ولَطْمٌ !؟

عبد القادر عبار
عاشوراء هو اليوم العاشِر من شهر المُحَرَّم وهو يوم من أيام الله التي صدق الله فيها وعده، لعبده موسى، بإهلاك فرعون وجنده غرقا، وهو بذلك يومٌ من أيام موسى عليه السلام.
وهو من الأيام المقدسة التي أمر الله موسى بأن يذكر بها بني إسرائيل “وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ”
فعاشوراء في الذاكرة اليهودية هو يوم نجاة موسى ومن معه من فرعون..
وقد وثق القران مشهد عاشوراء “المُوسَوِي” ان صح التعبير.. في سورة يونس وبأكثر تفصيلا في سورة الشعراء حيث قال فيها: “وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ. فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ. إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ. وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ. وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ. فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ. كَذَٰلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ. قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ. فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ. وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ. وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ. ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ. إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً ۖ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ. وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ”.
فقد جعل الله ذلك المشهد آية بالإشارة حيث قال “إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً” لأنه مشهد أزهق فيه الباطل وظهر فيه الحق كمثل يوم بدر للمسلمين.. وقد عرف موسى قدر ذلك اليوم فصامه شكرا لله اعترافا بفضل الله عليه وعلى المستضعفين معه.
وعاشوراء عند المسلمين السنة هو يوم من أيام الله يصومه المسلمون اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم وفرصة لتكفير ذنوب سنة ماضية كما جاء عن أبي قتادة فيما رواه مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة الماضية”.
وعاشوراء عند الشيعة هو يوم كربلائي متجهّم يذكّرهم باستشهاد الحسين.. يملئونه دماء ولطمًا. ونياحة.. تعبيرا عن نوع من التكفير لذنبهم الأبدي المتمثل في شعورهم بالتقصير في نصرة الحسين رضي الله عنه.. ؟
وكنّا إلى حدود الستينات من القرن الماضي، ونحن صبيان، في كل صبيحة يوم عاشوراء، نعيد أحداث كربلاء، فنتهيأ للمعركة بإشعال النار ليلا وفي الصباح نلبس الليف ونتقلد العصيّ سيوفا ورماحا ونبارز بعضنا.. نعيد بذلك مشهد الصراع الأموي الشيعي.. وكان ذلك من رواسب الدولة الفاطمية.
ولعاشوراء دلالات وإيحاءات نستلهمها من المشهد العاشورائي الموسوي لعل أهمها:
أهمية عبادة الشكر لله التي نحن مقصّرون في ممارستها رغم شعورنا بتفضّل الله علينا بواسع النعم ولهذا نرى الله سبحانه قد لمّح إلى هذا التقصير بقوله “وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ” وقوله “قليلا ما تشكرون”.. والشكر لفضله وأهميته يسمونه “الحافظ” لأنه يحفظ النعم كما يسمونه “الجالب” لأنه يجلب النعم المفقودة، قال تعالى “لئن شكرتم لأزيدنّكم”.
أن الباطل منهزمٌ لا محالة ولو بعد حين، مهما تدجّج بالقوة والإعلام والسلطة والتحالفات ففرعون كان في جبروته الدولي في زمانه بمثابة أمريكا وفي رعب قوته العسكرية بمثابة “حلف الناتو” وفي ماكينته الإعلامية بمثابة الفضائيات المرتزقة.
أن الله مٌظهرٌ للحق ومُمكّن للمستضعفين مهما طال أمد الظلم ومهما تحرّش بهم الاستكبار وتنوع الأذى واشتد الحصار “وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ”
أن للنصر أسبابه البشرية وخططه الإستراتيجية التي يجب أن يعدّها أصحاب الحق.. “وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ..” وموسى قد حث قومه وجمعهم وسرى بهم وضرب بعصاه وذلك ما هو متاح له.
أن الأسباب المادية وحدها لا تكفي إذ لا بد من استحضار المؤمنين لمعيّة الله سبحانه معهم، دليل ذلك قول موسى عليه السلام “قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ” وقول الرسول صلى الله عليه وسلم “لا تحزن إن الله معنا”.
وعاشوراء، لأصحاب القضم والبلع والهضم، هو طبقٌ من الحلوى يُتَّخذ من قشور القمح واللَّبن والزَّبيب.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock