الأزمة التونسية ودُروب التّجاوز
أحمد الغيلوفي
ملخّص
رغم تقدّم تونس في مسار الانتقال الديمقراطي، لا يمكن انكار مظاهر الازمة المتعدّدة الابعاد، وهو ما لاح في معجم التصريحات الاعلامية الاخيرة لرئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي التي حَوت مصطلح “الازمة” دون ان تصل الى ”المرحلة الحرجة”. تتعدد مظاهر الاشكاليات وتعثرات التجربة التونسية الوليدة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا على مستوى الفرد والمجموعة والنخبة الفكرية والسياسية التي تعيش ضيق الافق وقصر النظر وغياب العقد الاجتماعي الحقيقي القادر على تجاوز أعثار الطريق بعد سبع سنوات من الثورة.
مقدّمة
في حواره الاخير مع جريدة الصحافة، ردد الرئيس التونسي الكثير من الالفاظ الدالة على الازمة. أذ كرر ما يُرادف “الازمة”، وسعى قدر جهده ان لا يذكر اللفظ. “الوضع الاقتصادي صعب”، و“الوضع السياسي منفلت ومُفتت”، وهو عموما “صعب ودقيق، وان كان لم يصل بعد الي مرحلة الحرج”. وفي الحقيقة وضعية الحرج والازمة لا تحتاج اعترافا من سياسي كما لا ينفع معها الاخفاء والتورية، فنحن نعيشها ونراها رؤية العين. وعلينا، اذا ما رُمنا تجاوُزُها، ان نُحدّق فيها بعقل بارد، بعيدا عن المُبالغات والانفعالات او مفردات التفاؤل والتشاؤم. والازمات، تماما كالامراض، لها اعراض ومظاهر قد تجعل المرء يذهل عن اصل الداء، فيسقط في السطحية والترقيع، او الانكار لاسباب سياسوية وانتخابية، فلا يفعل غير تاجيل الحل واستفحال المشكل. وليس من باب رفع المعنويات ان نقول ان الازمات ضرورية للشعوب كما هي ضرورية للاجساد: انها علامة على ان الجسم السياسي حيّ، يتاثّر بالمحيط وينفعل بالتحوّلات الكبرى، فيُجددُ دماءه، ويكتسبُ مناعة، ويولد من جديد.
مظاهر الازمة
1. على المستوى السياسي:
مما يدل على الارتباك وعدم الاستقرار السياسي هو عدم التوافق بين التوصيفات القانونية والوضع السياسي كما هو في الواقع: فمن ناحية دستورية، خرجت البلاد من الوضع الانتقالي الي وضع الاستقرار بفضل انتخابات 2014، ولكن لو قارنا عدد الحكومات في الفترة الانتقالية مع عددها في فترة “الاستقرار” للاحظنا ان الاولى كانت اكثر استقرارا رغم عمليتي اغتيال هزّتا البلاد: حكومة السيد الجبالي، ثم حكومة السيد علي العريض وحكومة السيد مهدي جمعة، اي ثلاث حكومات في اربع سنوات (من 24 ديسمبر 2011 الي 6 فيفيري 2015). اما فترة ما بعد انتخابات 2014 فقد عرفت خمس حكومات خلال ثلاث سنوات، اي بمعدل حكومة في كل سبعة اشهر، وهي حكومة السيد الصيد الاولى والثانية، ثم حكومة السيد الشاهد الاولى والثانية والثالثة. ترجع ازمة الحكم، في حقيقة الامر، الي طبيعة الائتلاف الحاكم: انه ائتلاف اضطرار وليس ائتلاف اختيار: هناك مسائل حسمها الدستور، ولكنها لم تُقبل بعدُ عند بعض الاطراف اليسارية ومراكز القوة المالية والجهوية، منها طبيعة الدولة والمجتمع او ما يُطلَقُ عليه “النمط التونسي”، ومنها التوزيع العادل للثروة والتمييز الايجابي بين الجهات والتداول السلمي على السلطة. إنّ هاجس التموقع الايديولوجي والجهوي هو ما جعل الصراع يدور على مضامين سياسوية وتكتيكية، وليس على مشاريع اقتصادية واجتماعية.
2. على المستوى الاجتماعي:
ليست الازمة الاجتماعية في تونس وليدة اليوم وانما هي نتيجة عقود من سوء التخطيط الاقتصادي وانخرام التوازن في توزيع الثروة، ولئن بلغ التعبير عنها ذروته من 17 ديسمبر 2010 الي 14 جانفي 2011، فان الاحتجاجات الاجتماعية لم تهدأ منذ ذلك الحين. لقد شهدت البلاد موجة من الاحتجاجات في شهر افريل الماضي شملت كل من تطاوين وقبلي والقيروان والكاف والقصرين. تظهر حالة الاحباط الاجتماعية من خلال نسبة التشاؤم لدى التونسيين المُسجّلة خلال شهر اوت 2017 (1): 75.2 بالمائة مستاؤون من الوضع الاجتماعي و 88.2 بالمائة مستاؤون للغاية. يمكن ارجاع هذه المسحة التشاؤمية الي عوامل ثلاثة: اولا، هو تقييم التونسي لوضعه المالي، فغالبية التونسيين يعتبرون وضعهم المالي اسوء من السنة الفارطة (56.9/)، كما يعتبر 55.5 بالمائة من التونسيين ان مستقبل ابناءهم سيكون اسوء. ويعود ثانيا، الي عدم ثقة التونسي في مؤسسات الدولة وفي قدرتها على تحسين ظروف عيشه وفي الحد من غلاء المعيشة: 43.7 المائة لا يثقون في رئاسة الحكومة، كما لا يثق في رئاسة الجمهورية غير 25.8 المائة من التونسيين. اما الذين يثقون في مجلس نواب الشعب فهم لا يتجاوزون 32 بالمائة، ونجد في المرتبة الاخيرة نسبة ثقة التونسيين في الاحزاب السياسية (20 بالمائة). اما السبب الثالث فهو غياب المشروع الوطني الذي من اجله يمكن ان يرى الانسان النور في نهاية النفق، ومن اجله يمكن ان يضحّي رغبة في مستقبل افضل لابنائه. كل الحكومات التي تتالت منذ 2014 لم تتجاوز تسيير الشان اليومي.
3. على المستوى الاقتصادي:
بلغت نسبة تداين الدولة 64 بالمائة من الناتج القومي الخام، وهي نسبة كافية حتى نوَصِّف حالة البلاد على انها في ازمة اقتصادية حقيقية، اما لو اظفنا الي حجم الدين العمومي القرض المُزمع الحصول عليه في المدة القادمة، فان حالة الاقتصاد تكون قد بلغت فعلا حالة الحرج. تقول التقارير الاقتصادية الاخيرة بان الدولة اصبحت تُسدد الاجور من احتياطيات الخزينة العامة، وان حجم التضخم قد بلغ في شهر اوت 5,7 بالمائة. وقد انعكست هذه الازمة على قدرة المواطن الشرائية وعلى سعر صرف الدينار الذي بلغ الي 2,90 مقابل اليورو و 2,44 مقابل الدولار. ليس من السهل ان نحدد في هذا الحيّز القصير اسباب الازمة الاقتصادية، فهي مُركّبة ونتيجة تراكمات واخطاء متتابعة، لعل ابرزها انتشار الفساد منذ ما قبل الثورة واستفحاله بعدها، وتضخم حجم ميزانية الدولة حيث قفزت من 18,335 مليار دولار سنة 2010 الي 32,775 مليار دولار هذه السنة. ومن الاسباب ايضا تراجع قطاعات اقتصادية حساسة مثل السياحة والنفط والفسفاط. لقد عبّر وزير المالية المستقيل، السيد فاضل عبد الكافي، عن هذا الوضع بقوله ان السيولة المالية للدولة اصبحت تنزل احيانا الي مستوى لا يسمح بتسديد الاجور.
4. على مستوى الفرد:
كيف نفسّرُ ظاهرة اللامبالاة والكسل والتواكل؟ كيف نفسّرُ الاستهتار بالمؤسسات وتحويلها الي اداة للربح الفردي والآني وبشكل فجّ ولا معقول؟ كيف نأوّل السلوك اللامدني واللامسؤول للافراد؟
علينا ان نستبعد، اولا، التفسيرات التي تستند الي فكرة “الطبيعة”، كأن نقول “التونسي طبيعته كذا”. ليس هناك طبيعة بشرية، الانسان كائن ثقافي. وعلينا، ثانيا، ان نُذكّر بسلوك التونسي ومعنوياته خلال وبُعيد انتفاضة 17 ديسمبر: كان الشباب يحرسون الاحياء ليلا، وكان الاساتذة والمعلمون والمحامون ينظمون حركة السير في الطرقات بعد انسحاب الشرطة، وعندما سقطت الحكومة بقيت المستشفيات والمعاهد مفتوحة وكذلك مكاتب البريد والنقل والكليات. وبعد 14 جانفي تولى الشباب تنظيف الشوارع في العاصمة وفي الكثير من الجهات. فما الذي حدث؟ ما حدث هو خيبة الامل، هو فقدان الحلم، هو اغتيال المشروع الذي سقط من اجله التونسي بالرصاص. ليس هناك شيئ يجعل الفرد يُقدِمُ على الموت والتضحية غير سردية جميلة، ولقد بُنيت امبراطوريات على رقاب افراد اقتنعوا بجمال قصة ما وعدالة مشروع ما. اما عندما يلاحظ الفرد الافلات من العقاب ومن المحاسبة، ويلاحظ الفساد في مفاصل الدولة، ويرى توظيف الدولة لصالح الفئة والجهة والعائلة، حينها تعود فكرة “الدولة البيليك”، ويسقط الفرد في انانوية ضيقة ونفعية فجّة وبلا ضوابط، ويصبح الفساد “روح العصر”. في هذه الحالة، تأكل المصالح الضيقة ما كان يجب ان يكون في صالح الجميع. عندما ينعدم المشروع الوطني الجامع الذي يبشر الفرد بالخلاص وبالرفاه والحرية، عندما تنعدم الروح التي تدفع الفرد الي ان يتسامى على اشيائه الصغرى وينظر الي بعيد، حينها نكون ازاء حالة الانحطاط: حالة يخلُدُ فيها الفرد الي الارض، ويغيب التوتّر بداخله، ذلك التوتر الناجم، من جهة، عن وعي حاد بالتخلف، ومن جهة اخرى، رغبة حادة في العمل من اجل النهوض. لاشي وقع تحقيقه في التاريخ بدون سردية تكون موضوع رغبة جامحة من طرف الافراد.
علينا ان نطرح الان الاسئلة التالية: لماذا لم يتحسّن وضع البلاد رغم مرور سبع سنوات عن الثورة؟ هل تكفي الثورات حتى تجد الشعوب الطريق الملكي نحو النهضة؟ ما الذي يعوق الشعب التونسي منذ سبع سنوات؟
قبل الاجابة عن هذه الاسئلة نريد ان ندفع بالاطروحة التالية: توضع الشعوب على طريق النهضة والاستقلال عندما تلتحم سلطة ما في لحظة ما بالشعب وينصهران في قوة واحدة من اجل تحقيق مشروع هو محل اجماع من قِبل كل الاطراف، او بتعبير اكثر رواجا اليوم: عندما يتمكن شعب ما، في لحظة تاريخية معينة، من بناء كتلة تاريخية ترفع على عاتقها توحيد كل الشعب ووضع كل قواه وامكانياته من اجل تحقيق حُلم مشترك. ليس من الصعب ان نستقرِئ التاريخ لنجد وراء كل نهضة اقتصادية واجتماعية ضربا من ضروب الكتلة التاريخية، من ايطاليا الي اليابان، ومنها الي الصين وايران وروسيا وتركيا. من ابرز ادوار الكتلة التاريخية انها تُعطي روحا للشعب، فيضحّي الجيل الاول من اجل مستقبل اجمل للاجيال اللاحقة، كما انها تجعل من الشعب حاميا للمشروع من المكائد الخارجية التي تريد افشاله إما بالتآمر او بالحصار والحرب او باستعمال “طابور خامس”.
فما الذي يعوق الشعب التونسي دون تحقيق مشروعه التنموي؟
1. غياب العقد الاجتماعي
يقول جون راولس في “الليبرالية السياسية” “ان انقسام المجتمع الي طبقات واحزاب وايديولوجيات امر محمود، وهو شرط من شروط الديمقراطية والا تحوّل المجتمع الي جماعة. غير انه يجب ان يكون الجميع -رغم الانقسام- على اتفاق حول صورة المجتمع وحول قيم جامعة تحول دون الانقسام الحاد”. في تونس ليس هناك “اتفاق” حول طبيعة المجتمع او ما يُسميه البعض بـ”النمط المجتمعي التونسي”. ورغم ان الدستور قد حسم الامر من الناحية القانونية الا ان ذلك لا يعني ان القضايا الفكرية والثقافية الكبرى قد وقع حلها في مستوى قلوب الناس. ما زال هناك خلاف حول هوية الشعب: هل هو مجتمع علماني ام مجتمع مسلم، هل هو مجتمع عربي ام امازيغي، ام هي امة لها تركيبتها الخاصة. مازال هناك خلاف حول توزيع الثروة وحول نصيب الجهات المهمشة من ميزانية الدولة ومن مشاريع التنمية، ومازالت النخب السياسية لم تتشبع بمبدا التداول السلمي على السلطة. ان “صورة” المجتمع التونسي التي كانت سائدة منذ الاستقلال حتى 17 ديسمبر 2010 هي الصورة التي كرسها وفرضها الفريق الذي خرج منتصرا من ازمة الصراع البورقيبي-اليوسفي، وهي صورة لم تعد محل اعتراف من طرف العديد من العائلات السياسية والفكرية. ان هذا الانقسام هو ما يعوق القوى السياسية على الاجتماع في مشروع شامل، وهو ما يجعل الصراع يدور على مضامين ثقافوية وهووية وليس على مضامين اجتماعية واقتصادية.
2. ضيق افق النخبة السياسية
يمكن تقسيم النخبة السياسية التونسية الي ثلاثة اقسام انطلاقا من موقعها من السلطة:
1) النخبة التي حكمت منذ الاستقلال حتى الان والتي وقعت انتفاضة 17 ديسمبر ضدها، ويمكن تسميتها بـ”النواة الصلبة للسيستام”، وهي لئن تميز جيلها الاول بـ”النضالية”، الا انها تحولت منذ الفترة البورقيبية الثانية ثم فترة بن علي الي نوع من “الاوليغارشية” تتعامل مع الدولة بوصفها “غنيمة”. لا يجتمع افراد هذه النخبة على مشروع تنموي يستهدف النهضة بالبلاد وانما حول مصالح مناطقية ضيقة ومنافع مادية. اصبحت السلطة اداة للكسب وليست اداة للتغيير الاجتماعي، لذلك سقطت هذه النخبة في الاخير فيما تسقط فيها كل النخب الفاقدة للمشروع: الفساد والقمع.
2) النخبة الثانية هي نخبة وظيفية، مهمتها اسناد الاولى وإضفاء شكل من اشكال الديكور الديمقراطي على السلطة. ولانها لا تستطيع ان تحكم -بحكم حجمها- لذلك لا تعدو ان تكون قوة احتجاج، انها تستمد وجودها ومشروعيتها من كونها قناة “تنفيس” عن الضغط الاجتماعي. لهذا ليس من الغريب ان نجد هذه النخبة تحتج على السلطة وتطرح نفسها بديلا عنها ولكن اذا هُدّدت السلطة بشكل جدّي فاننا نجدها تصطف معها لانقاذها. هناك لقاء موضوعي بين النخبة الحاكمة والنخبة الوظيفية يتضح اكثر في الفقرة التالية.
3) الوافدون الجدد لحقل السلطة: شكلت انتفاضة 17 ديسمبر حدثا شبيها بسقوط جدار برلين في تونس، وذلك لانها مثّلت بالاساس ثورة الهوامش على المركز: ثورة المهمشين اقتصاديا من ابناء المناطق الداخلية والشمال الغربي والجنوب، وهؤلاء يطالبون بحقهم في الثروة. وثورة المهمشين سياسيا من التيارات المقموعه وهؤلاء يطالبون بالاعتراف بهم كشركاء سياسيين. مرض السياسة في تونس يتاتّى من امرين جوهريين: اولهما هو ان القوى المعروفة تاريخيا بالمعارضة لم تستطع التوصل الي حد ادنى من اللقاء يسمح لها بالاجتماع حول مشروع مشترك، ومازال يستنزفها الاقصاء المتبادل والصراع الايديولوجي. وثانيا، النخبة التي ورثت السلطة والمواقع والامتيازات طيلة عقود تعتبر “الوافدين الجدد” خطرا على مصالحها التي راكمتها طيلة عقود، وهي تقدم نفسها دوما على انها الضامن الوحيد لوحدة البلاد والسلم الاهلي، ولكنها تتعامل مع اليسار واليمين بشكل براغماتي: تعرف ان اليسار التونسي في جوهره “ثقافيا” وليس يسارا اجتماعيا لذلك ترفع شعار الحداثة والحرية الفردية والمساواة بين الجنسين، فتستميله وتستغله دعائيا وانتخابيا، ولكن حالما تصل الي السلطة فانها تتحالف مع القوى الاكثر وزنا في البرلمان والاكثر قدرة على تامين الاستقرار السياسي. انها تستثير الاقصاء المتبادل بين اليسار واليمين لتقدم نفسها قاضيا بين الخصمين. ازاء فوبيا اليسار الثقافي من الاسلاميين، وازاء فزع الاسلاميين من الاستئصال اليساري، تقدّم المنظومة القديمة نفسها على انها “وسطية”، وتلعب دور “القُبّاعات الزرق” في فض الاشتباك اليساري/الاسلامي. هذا الوضع هو ما يجعل الصراع بين النخب السياسية ايديولوجيا وثقافيا، او يدور، في افضل الحالات، حول التموقع والمصالح الفئوية والجهوية.
انعدام البدائل
لعل النخبة السياسية التونسية لا تجتمع الا على الامر التالي: غياب الابداع وانعدام البدائل، سواء فيما يخص الفكر السياسي او المنوال الاقتصادي او فيما يخص العلاقات السياسية والاقتصادية على المستوى العالمي. على مستوى الفكر السياسي لم نبدع إمكانات من اللقاء السياسي ما بعد ايديولوجي، وحتى الكيانات الايديولوجيه فهي تستعمل سرديات لم تعد تُغري احدا. وعلى مستوى المنوال الاقتصادي مازلنا مشدودين الي نفس السياسات الاقتصادية التي فقرت الناس وثاروا ضدها، ورغم نجاح تجربة “جمّنه” الا ان “السيستام” ناصبها العداء، وذلك لما يمثله الاقتصاد الاجتماعي من خطر على اثرياء الداخل وشركائهم في الخارج. يتضح الفقر الابداعي اكثر في عدم توسيع دائرة الشركاء الاقتصاديين: من يدخل اسواقنا يعرف اننا مرتهنون حتى انوفنا الي بلد او اثنين على اقصى تقدير. ان توسيع دائرة الشركاء يُحرر الاقتصاد من التبعية ويوسع من هامش المناورة عند الحصول على قروض او مساعدات.
خاتمة
الازمة في تونس، كباقي الاقطار العربية، معقدة ومركّبة، فيها ما هو تاريخي كفشل حركة الاصلاح مع الحدث الاستعماري، وفيها ما هو داخلي كسقوط النخبة السياسية في خيار الاستبداد والحكم الفردي. مع نهاية السبعينات انتهت “دولة كل الشعب” وركبت السلطة “اوليغارشيا” اكلت ما بُني في الستينات والسبعينات. بعد انتفاضة 17 ديسمبر عاد الامل في النهوض، غير ان النُخب السياسية والثقافية لم تتهيّأ بعد لقيادة الشعب وذلك لانها لم تحسم بعد في جملة من القضايا الخلافية، ولم تصل بعدُ الي صياغة ارضية مشتركة، وهو ما حال دون صياغة مشروع يرتضيه الجميع. ليس هناك امكانية للنهوض بدون عقد بين المكونات الفكرية لشعب ما، وبدون عقد بين الافراد والدولة، اي التحام الجميع في كتلة تاريخية والتحام الافراد مع سلطة عادلة وذات مشروع وطني يجد الكل فيه انفسهم و يضحي من اجله الجميع.
(1) احصائيات وردت بجريدة المغرب التونسية ليوم الخميس 7 سبتمبر 2017
عن مركز الدراسات الاستراتيجيّة والديبلوماسية.