صالح التيزاوي
فاضت روح الشّيخ المناضل “التّسعيني” إلى بارئها بعد حياة حافلة بالنّضال ضدّ الإحتلال، وضدّ العسكر في مرّتين، وضدّ نظامي العمالة والتّطبيع مع الكيان الصّهيوني. عرفته ساحات النّضال في مصر منذ الشّباب وحتّى الشيخوخة دون كلل او ملل. لكأنّه كان يحمل بين ضلوعه فائضا من الرّجولة وفائضا من الشّجاعة أهّلته ليكون سياسيّا حاملا لهموم شعبه، حرّا رافضا لعبوديّة البشر، انحاز لثورة شعبه ضدّ الإستبداد. جرأته أزعجت خصومه إلى الحدّ الذي جعلهم يرفضون علاجه وهو في السّجن، ورفضوا دفنه بطريقة طبيعيّة، يخافونه مناضلا صلبا، ويخافونه سجينا مريضا، ويخافونه ميّتا. أيّة أنظمة تلك التي تنتهك حرمة الأموات كما دأبت على انتهاك حرمة الأحياء.
غادر محمّد مهدي عاكف الحياة كما غادر الفرح أهل مصر منذ أن غدر العسكر بثورتها واستباح شرعيّتها ونكّل بمناضليها، حتّى أصبح الحزن كما الفقر وجبة أهل مصر الأساسيّة. مات عاكف نحتسبه عند الخالق شهيدا وترك وطنا ينزف منذ اعتلاه السّيسي. مات شيخ التّسعين يحمل وسام الثّورة والشّهادة وترك “النّياشين” للّذين لا يستطيعون غير قيادة الإنقلابات العسكريّة والقتل خارج القانون لأنّهم مدجّجون بفائض من التّوحّش وقلّة المروءة، وإلّا كيف يمنعون الدّواء عن سجين سياسي وصاحب رأي في التّسعين من عمره. ارادوا كسر كبريائه ومعاقبته على ثوريته وعلى عشقه للحرّيّة، فحرّره اللّه من سجونهم التي تكتنفها الأحزان إلى فرح كبير بشّر اللّه به عباده ممّن نهضوا لنصرة المعذّبين في الأرض وتحريرهم من قيود الظّلم. أمّا أعداؤه فمهما فعلوا ومهما امتدّ بهم العمر فلن يتسنّى لهم غسل شرفهم، إن بقي لهم شرف بعد الذي فعلوه.
موت مهدي عاكف في سجون السّيسي هي شهادة بحدّ ذاتها على نفاق الدّول الكبرى التي غضّت الطّرف على الإنقلاب ثمّ غضّت الطّرف على “المحرقة العسكريّة” في مصر. قليل من الضّغط من المجتمع الدّولي كان كافيا لمنع المأساة. ولكنّ سكوتهم كان تواطؤا مع المجرم ليس على انتهاك حقوق المصريين ولكنّ على انتهاك المواثيق الدوليّة التي تضمن الحقوق والحرّيات وتجرّم الإنتهاكات، وهم الذين حبّروها وصدّروها ونصّبوا أنفسهم حرّاسا لها واعتبروها من مفاخرهم التي تميّزهم على سائر الأمم والشّعوب.
سيتّهمننا “السّفهاء” من النّاس ممّن فسقوا عن قيم الإنسان، وكفروا بالحرّيّة، سيتهموننا “بالأخونة” لأنّنا كتبنا عن شهيد الحرّيّة محمّد مهدي عاكف، وردّنا عليهم بانّنا بشر نكره الظلم
والظّالمين مهما كانت شعاراتهم وأينما كانوا ونتعاطف مع الضّحايا والمظلومين مهما كانوا وأينما كانوا لأنّهم بشر وكفى.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.