الأربعاء 5 فبراير 2025

أخطر برنامج تلفزي في تونس

فاروق بوحفص

لا يخفى على أحد مقدار التضليل والمغالطات الذي يشوب القطاع الإعلامي، لكن في رأيي فإن ذاك البرنامج المعروف الذي يبث عشية كل أربعاء بإحدى القنوات التونسية هو أخطر برنامج حاليا في تونس، من ناحية الرسائل التي يبثها والأساليب التي يوظفها للتأثير في الوعي الجمعي لدى الناس والأخطر منه على اللاوعي لديهم، من بين هذه الأساليب:

فرض أسلوب ركيك من التفكير على المشاهد وإجباره على الدوران في حلقته ومجاراته والخوض فيه، بغض النظر عما إذا كان موافقا أو ناقدا للمواضيع المطروحة، سيان فقد حقق غايته في كلتا الحالتين.
فتح الباب على مصراعيه لقلب المنظومة القيمية والأخلاقية للمجتمع بالكامل، حيث يصبح التشكيك في كل القيم والثوابت المجتمعية دون استثناء ممكنا ولا ضير فيه. في المقابل، ستتحول المسائل الخلافية إلى ثوابت، ولا تقلق فإيجاد ألف مدخل لتبرير ذلك أهل لديهم مما تتخيل.
صرف ذهنية المشاهد عن القضايا والمسائل البناءة التي يفترض أن تقع مناقشتها وإيهامه بأن بعض ما يقع تداوله في ذاك المجلس (بغثه وسمينه) هو أعلى تجليات الرقي الفكري والثقافي.
اختلال رهيب ومزمن في الموازين يمكن لأبسط مشاهد أن يلحظه، سواء من ناحية العدد أو إدارة الحوار أو توزيع الكلمة. فبغض النظر عن توجه الإعلاميين الحاضرين على الدوام بتحليلاتهم الأثقل على الأذن من طرق الأزاميل، والمعروفين بتطرف مواقفهم والمجاهرين بعدوانيتهم الإيديولوجية المفضوحة، فإن الضيف الذي سينتابه شعور بالتيه الفكري وانفصام الهوية وسط ذاك التوجه السائد سيقع حشره في زاوية التحجر والرجعية وسلقه بألسنة التشويه حتى ينتابه الشعور بالذنب أو الخجل من حمله لتلك القناعات التي يدافع عنها، لينتهي به الأمر إما مهرسلا أو عازفا على نفس وتر النمط السائد في ذاك المجلس الذي لا يمثل إلا نفسه.
إن كان الظاهر من الأمر هو التخلي عن الاستقطاب الثنائي القديم بين ما هو إسلامي وعلماني، فقد نجح البرنامج ضمنيا في ترسيخ جذور نمط مجتمعي متغرب ومنبت عن هوية المجتمع في ذهنية المتلقي، يسمونه تقدميا أو حداثيا ، ولكنه لن يزيدنا إلا تأخرا وتخلفا والحداثة منه براء.


اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد