مقالات
رمال السعودية المتحركة: في انتظار «انتفاضة بريدة» ثانية ؟
على «تويتر»، موقع التواصل الاجتماعي الأكثر انتشاراً في المملكة العربية السعودية، بات شائعاً هذا الوسم: «اللي ـ ما رباه ـ الزمان ـ يربيه ـ سلمان»؛ الذي يفيد بأنّ الملك سلمان كفيل بتربية أولئك الذين لم يتولّ الزمان تربيتهم. الوسم الآخر، الشقيق، يسير هكذا: «الوطن ـ يغتسل ـ من ـ الخونة»، ليس للإشارة إلى إرهابيين، أو جهاديين متطرفين، أو إسلاميين متشددين؛ بل إلى كلّ من سوّلت له نفسه ضبط نفسه أو لسانه أو قلمه، وعدم الانجرار إلى الحملات الإعلامية ضدّ قطر. فإذا استبشر كاتب سعودي خيراً بقرب انفراج الأزمة، ورحّب بجهود الوساطة الكويتية، فإنّ تهمة التخاذل في الدفاع عن الوطن سوف تُلصق به على الفور؛ إذا لم يكن نصيبه التخوين، وربما العمالة و”القبض” من الخارج!
وقد يكون بين هؤلاء الذين يحلّ عليهم واجب «التربية»، كاتب رصين مثل عبد الله المالكي؛ جرّاء تغريدة تقول: «أياً كان شكل النظام السياسي الذي تقترحه وتؤمن بجدوى إصلاحه؛ فليس هناك أخطر ولا أسوأ من أن تكون إرادة فرد من الناس، لها قوّة القانون النافذ». فإذا لم تكفِ هذه التغريدة لاعتقال المالكي، ففي وسع السلطات السعودية أن تتكئ على ذريعة أخرى، أكثر وضوحاً من حيث تلفيق تهمة الخروج عن الشرع والشريعة، وربما الهرطقة… ليس أقلّ! ذلك لأنّ الرجل نشر كتاباً هاماً، وشجاعاً في الواقع، بعنوان «سيادة الأمّة قبل تطبيق الشريعة: نحو فضاء أمثل لتجسيد مبادئ الإسلام»؛ يطرح أسئلة من العيار الثقيل التالي: إشكالية الإمكان والتخيير في تطبيق الشريعة أو تعطيلها، وإذا كان الحاكم مسلماً والشعب يرفض تطبيق الشريعة كمرجعية، وجهاد القتال وحرّية إرادة الشعوب…
وبالفعل، ها أنّ المالكي قيد الاعتقال اليوم، ضمن حملة شنتها السلطات السعودية مؤخراً، وطالت شخصيات عامة وناشطين اجتماعيين وأكاديميين وكتّاباً وإعلاميين، بينهم من النساء رقية المحارب ونورة السعد؛ ومن الدعاة الشيخ محمد موسى الشريف ويوسف الأحمد وعبد العزيز آل عبد اللطيف وحمود بن علي العمري؛ ثمّ مصطفى الحسن وخالد العودة وعصام الزامل وعبدالله بن عابد الحارثي ومحمد الخضيري وزياد بن نحيت وغرم البيشي وإبراهيم الفارس ومحمد الهبدان وعلي حمزة العمري وفهد السنيدي وإبراهيم الحارثي… الأشهر، غنيّ عن القول، هو الداعية الشيخ سلمان العودة، الشخصية الأبرز بين معتقلي حملات مطلع التسعينيات، والداعية الذي أثار اعتقاله حركة احتجاج شعبي واسعة، سنة 1995، استحقت صفة «انتفاضة البريدة»؛ إذْ لم تعترض على اعتقال العودة، وزميله الشيخ سفر الحوالي، فحسب؛ بل تظاهر الناس استنكاراً لـ”تسليم البلد” للقوات والقواعد العسكرية الأمريكية.
السلطات السعودية لا تعلن أيّ سبب واضح، مباشر أو على صلة بواقعة ما سياسية أو اجتماعية أو دينية محددة، في تفسير حملة الاعتقالات؛ رغم أنّ شائعات الشارع الشعبي تشير إلى ملفّ النزاع مع قطر، وتخلّف البعض من المعتقلين عن ركب تأثيم الدوحة والانخراط في الحملات المقذعة ضدها؛ إلى جانب الخلفية الأخرى التي باتت كلاسيكية، واستُهلكت واهترأت: أنّ المتخلفين من جماعة «الإخوان المسلمين»، وهم استطراداً في صفّ قطر بالضرورة. ولكن، لأنّ انتماءات المعتقلات والمعتقلين لا تشير إلى تيّار واحد متجانس فكرياً وسياسياً، ولا تنحصر في محتد إخوانيّ وحيد بالتأكيد، بل تتنوّع المشارب وتتعدد الأفكار؛ فإنّ وراء حملة الاعتقالات سلسلة أسباب ليست أقلّ كلاسيكية، وإنْ كانت أقلّ اهتراءً إزاء متغيرات الزمن، وأكثر قدرة على البقاء والتجدد.
في طليعة هذه السلسلة من الأسباب يأتي الصراع القديم/ الجديد بين مؤسسة الحكم، كما يحتكرها آل سعود، من كبار الأمراء وصغارهم؛ والشريك الثاني التاريخي في تقاسم الحكم، كما ابتدأته وتواصل احتكاره، إلى حدّ كبير، المؤسسة الوهابية. وبين هذه وتلك، ثمة معضلات التوريث داخل المؤسسة الأولى (وقد دخلت، اليوم، طور احتقان غير مسبوق مع تولية محمد بن سلمان نيابة الملك وقرب تتويجه ملكاً)؛ ومعضلات تطويع العصر بما يلائم سلطة «المطوّع»، وليس العكس بالطبع، أي تطويع الأخير لكي ينحني -في قليل فقط، وليس في كثير!- أمام متغيرات الحياة، وما يسمّيه المالكي «سيادة الأمّة قبل تطبيق الشريعة»، داخل المؤسسة الثانية. وإذا جاز التفكير بأنّ أطوار الوئام بين المؤسستين كانت هي القاعدة العليا، طيلة عقود تأسيس المملكة؛ فإنّ حقائق التاريخ، ثمّ وقائع ما بعد «الصناعة الجهادية» الأمريكية، واستيلاد ظاهرة «الأفغان العرب» و«عاصفة الصحراء»، تؤكد أنّ التأزّم بين المؤسستين وقع مراراً، وهو اليوم جوهر الاحتقانات الراهنة في المملكة.
سبب آخر جوهري يندرج في السلسلة الكلاسيكية إياها، هو حال التنافر الطبيعي بين قسر الإصلاح (خاصة حين يكون خياراً شبه إلزامي، على غرار ما رأى الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز)؛ وعسر الإصلاح (كما في التعثّر الدراماتيكي، والفاضح أحياناً، الذي يشهده مشروع محمد بن سلمان المسمى «رؤية السعودية 2030»). والمرء، هنا، يستعيد مطالع العام 2003، حين أصدر أكثر من 100 شخصية سعودية مذكرة حملت عنوان «رؤية لحاضر الوطن ومستقبله»، تضمنت مجموعة كبيرة وهامة من المطالب الإصلاحية. وقد حاول الموقعون، وكانوا خليطاً من الوزراء السابقين وأساتذة الجامعات والكتّاب ورجال الأعمال والشخصيات الليبرالية والدينية من الطائفتين الشيعية والسنية، تقديم الوثيقة إلى ولي العهد مباشرة، وكان الأمير عبد الله؛ وحين وجدوا ممانعة من مساعديه، أرسلوا إليه المذكرة بالبريد المضمون! المفاجأة الثانية أنّ الأمير استقبل وفداً منهم، ضمّ 30 شخصية، وقال لهم بالحرف الواحد: «إنّ مطالبكم هي مطالبي»!
فهل كانت كذلك، حقاً؟ هيهات، بالطبع، لأنّ النصّ شدد على تدهور الخدمات العامة، وتصاعد البطالة، وتفاقم الدين العام (حوالي 250 مليار دولار حسب بعض التقديرات، يومذاك)، وانتهاك حرمة المال العام، والتدني الملحوظ في دخول المواطنين، وانتشار العنف، وانحسار دور المهتمين بالإصلاح والعمل الوطني. وفي الإصلاح السياسي طالبت المذكرة بتشكيل مجلس شورى ومجالس مناطق عن طريق الانتخاب المباشر، والتأكيد على مبدأ استقلالية القضاء وإزالة كلّ القوانين التي تحدّ من فعاليته وحصانته، وإصدار إعلان ملكي يضمن للمواطنين ممارسة حقوقهم في مجال حرية الرأي والتعبير والتجمع وسائر حقوق الإنسان. الأرجح أنّ هؤلاء المئة، لو أنهم رفعوا المذكرة اليوم إلى محمد بن سلمان، لوجدوا أنفسهم في الزنزانة ذاتها مع داعية مثل سلمان العودة، أو إصلاحي مثل عبد الله المالكي!
ويبقى سبب ثالث، هو بؤس الخطاب الذي تعتمده المؤسستان معاً، آل سعود والمرجعية الوهابية، في محاربة الفكر الديني المتشدد والمتطرف. ثمة، في جانب أوّل، تضخم لفظي طنان يتحدث عن «فئة ضالة»، «شوّهت رسالة الإسلام السمحة»، و«عاثت فساداً في مهد الدين الحنيف»؛ وثمة، في جانب ثان، محاولة الالتفاف على شروط اللعب كما حدّدها الجهاديون أنفسهم، إذْ يُستنفر الفقهاء ورجال الدين وأئمة المساجد، وتستضيفهم برامج التلفزة المختلفة، لكي يكفروا «الضالين» ويحثوا الناس على التعاون مع رجال الأمن. وبالطبع، النتيجة في الحالتين معكوسة، وتصبّ الماء في طواحين الجماعات المتشددة، التي تركز على فساد الأسرة المالكة، وخضوعها للأمريكيين الذين يدنسون الأراضي المقدّسة ويدعمون إسرائيل في جرائمها ضد الفلسطينيين. ولا يحتاج المرء إلى أن يكون أصولياً متشدداً، أو إرهابياً، لكي يدرك روحية التعاطف مع هذا الخطاب، ولكي يشكك في الخطاب الآخر الذي يردد أصداء السلطة.
والأصل، في المعضلة الراهنة كما في سابقاتها، أنّ رمال المملكة متحركة تحت أقدام المؤسستين؛ وهكذا يلوح أنها سوف تبقى، منذرة بأكثر من «انتفاضة بريدة» واحدة!
٭ كاتب وباحث سوري يقيم في باريس
وقد يكون بين هؤلاء الذين يحلّ عليهم واجب «التربية»، كاتب رصين مثل عبد الله المالكي؛ جرّاء تغريدة تقول: «أياً كان شكل النظام السياسي الذي تقترحه وتؤمن بجدوى إصلاحه؛ فليس هناك أخطر ولا أسوأ من أن تكون إرادة فرد من الناس، لها قوّة القانون النافذ». فإذا لم تكفِ هذه التغريدة لاعتقال المالكي، ففي وسع السلطات السعودية أن تتكئ على ذريعة أخرى، أكثر وضوحاً من حيث تلفيق تهمة الخروج عن الشرع والشريعة، وربما الهرطقة… ليس أقلّ! ذلك لأنّ الرجل نشر كتاباً هاماً، وشجاعاً في الواقع، بعنوان «سيادة الأمّة قبل تطبيق الشريعة: نحو فضاء أمثل لتجسيد مبادئ الإسلام»؛ يطرح أسئلة من العيار الثقيل التالي: إشكالية الإمكان والتخيير في تطبيق الشريعة أو تعطيلها، وإذا كان الحاكم مسلماً والشعب يرفض تطبيق الشريعة كمرجعية، وجهاد القتال وحرّية إرادة الشعوب…
وبالفعل، ها أنّ المالكي قيد الاعتقال اليوم، ضمن حملة شنتها السلطات السعودية مؤخراً، وطالت شخصيات عامة وناشطين اجتماعيين وأكاديميين وكتّاباً وإعلاميين، بينهم من النساء رقية المحارب ونورة السعد؛ ومن الدعاة الشيخ محمد موسى الشريف ويوسف الأحمد وعبد العزيز آل عبد اللطيف وحمود بن علي العمري؛ ثمّ مصطفى الحسن وخالد العودة وعصام الزامل وعبدالله بن عابد الحارثي ومحمد الخضيري وزياد بن نحيت وغرم البيشي وإبراهيم الفارس ومحمد الهبدان وعلي حمزة العمري وفهد السنيدي وإبراهيم الحارثي… الأشهر، غنيّ عن القول، هو الداعية الشيخ سلمان العودة، الشخصية الأبرز بين معتقلي حملات مطلع التسعينيات، والداعية الذي أثار اعتقاله حركة احتجاج شعبي واسعة، سنة 1995، استحقت صفة «انتفاضة البريدة»؛ إذْ لم تعترض على اعتقال العودة، وزميله الشيخ سفر الحوالي، فحسب؛ بل تظاهر الناس استنكاراً لـ”تسليم البلد” للقوات والقواعد العسكرية الأمريكية.
السلطات السعودية لا تعلن أيّ سبب واضح، مباشر أو على صلة بواقعة ما سياسية أو اجتماعية أو دينية محددة، في تفسير حملة الاعتقالات؛ رغم أنّ شائعات الشارع الشعبي تشير إلى ملفّ النزاع مع قطر، وتخلّف البعض من المعتقلين عن ركب تأثيم الدوحة والانخراط في الحملات المقذعة ضدها؛ إلى جانب الخلفية الأخرى التي باتت كلاسيكية، واستُهلكت واهترأت: أنّ المتخلفين من جماعة «الإخوان المسلمين»، وهم استطراداً في صفّ قطر بالضرورة. ولكن، لأنّ انتماءات المعتقلات والمعتقلين لا تشير إلى تيّار واحد متجانس فكرياً وسياسياً، ولا تنحصر في محتد إخوانيّ وحيد بالتأكيد، بل تتنوّع المشارب وتتعدد الأفكار؛ فإنّ وراء حملة الاعتقالات سلسلة أسباب ليست أقلّ كلاسيكية، وإنْ كانت أقلّ اهتراءً إزاء متغيرات الزمن، وأكثر قدرة على البقاء والتجدد.
في طليعة هذه السلسلة من الأسباب يأتي الصراع القديم/ الجديد بين مؤسسة الحكم، كما يحتكرها آل سعود، من كبار الأمراء وصغارهم؛ والشريك الثاني التاريخي في تقاسم الحكم، كما ابتدأته وتواصل احتكاره، إلى حدّ كبير، المؤسسة الوهابية. وبين هذه وتلك، ثمة معضلات التوريث داخل المؤسسة الأولى (وقد دخلت، اليوم، طور احتقان غير مسبوق مع تولية محمد بن سلمان نيابة الملك وقرب تتويجه ملكاً)؛ ومعضلات تطويع العصر بما يلائم سلطة «المطوّع»، وليس العكس بالطبع، أي تطويع الأخير لكي ينحني -في قليل فقط، وليس في كثير!- أمام متغيرات الحياة، وما يسمّيه المالكي «سيادة الأمّة قبل تطبيق الشريعة»، داخل المؤسسة الثانية. وإذا جاز التفكير بأنّ أطوار الوئام بين المؤسستين كانت هي القاعدة العليا، طيلة عقود تأسيس المملكة؛ فإنّ حقائق التاريخ، ثمّ وقائع ما بعد «الصناعة الجهادية» الأمريكية، واستيلاد ظاهرة «الأفغان العرب» و«عاصفة الصحراء»، تؤكد أنّ التأزّم بين المؤسستين وقع مراراً، وهو اليوم جوهر الاحتقانات الراهنة في المملكة.
سبب آخر جوهري يندرج في السلسلة الكلاسيكية إياها، هو حال التنافر الطبيعي بين قسر الإصلاح (خاصة حين يكون خياراً شبه إلزامي، على غرار ما رأى الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز)؛ وعسر الإصلاح (كما في التعثّر الدراماتيكي، والفاضح أحياناً، الذي يشهده مشروع محمد بن سلمان المسمى «رؤية السعودية 2030»). والمرء، هنا، يستعيد مطالع العام 2003، حين أصدر أكثر من 100 شخصية سعودية مذكرة حملت عنوان «رؤية لحاضر الوطن ومستقبله»، تضمنت مجموعة كبيرة وهامة من المطالب الإصلاحية. وقد حاول الموقعون، وكانوا خليطاً من الوزراء السابقين وأساتذة الجامعات والكتّاب ورجال الأعمال والشخصيات الليبرالية والدينية من الطائفتين الشيعية والسنية، تقديم الوثيقة إلى ولي العهد مباشرة، وكان الأمير عبد الله؛ وحين وجدوا ممانعة من مساعديه، أرسلوا إليه المذكرة بالبريد المضمون! المفاجأة الثانية أنّ الأمير استقبل وفداً منهم، ضمّ 30 شخصية، وقال لهم بالحرف الواحد: «إنّ مطالبكم هي مطالبي»!
فهل كانت كذلك، حقاً؟ هيهات، بالطبع، لأنّ النصّ شدد على تدهور الخدمات العامة، وتصاعد البطالة، وتفاقم الدين العام (حوالي 250 مليار دولار حسب بعض التقديرات، يومذاك)، وانتهاك حرمة المال العام، والتدني الملحوظ في دخول المواطنين، وانتشار العنف، وانحسار دور المهتمين بالإصلاح والعمل الوطني. وفي الإصلاح السياسي طالبت المذكرة بتشكيل مجلس شورى ومجالس مناطق عن طريق الانتخاب المباشر، والتأكيد على مبدأ استقلالية القضاء وإزالة كلّ القوانين التي تحدّ من فعاليته وحصانته، وإصدار إعلان ملكي يضمن للمواطنين ممارسة حقوقهم في مجال حرية الرأي والتعبير والتجمع وسائر حقوق الإنسان. الأرجح أنّ هؤلاء المئة، لو أنهم رفعوا المذكرة اليوم إلى محمد بن سلمان، لوجدوا أنفسهم في الزنزانة ذاتها مع داعية مثل سلمان العودة، أو إصلاحي مثل عبد الله المالكي!
ويبقى سبب ثالث، هو بؤس الخطاب الذي تعتمده المؤسستان معاً، آل سعود والمرجعية الوهابية، في محاربة الفكر الديني المتشدد والمتطرف. ثمة، في جانب أوّل، تضخم لفظي طنان يتحدث عن «فئة ضالة»، «شوّهت رسالة الإسلام السمحة»، و«عاثت فساداً في مهد الدين الحنيف»؛ وثمة، في جانب ثان، محاولة الالتفاف على شروط اللعب كما حدّدها الجهاديون أنفسهم، إذْ يُستنفر الفقهاء ورجال الدين وأئمة المساجد، وتستضيفهم برامج التلفزة المختلفة، لكي يكفروا «الضالين» ويحثوا الناس على التعاون مع رجال الأمن. وبالطبع، النتيجة في الحالتين معكوسة، وتصبّ الماء في طواحين الجماعات المتشددة، التي تركز على فساد الأسرة المالكة، وخضوعها للأمريكيين الذين يدنسون الأراضي المقدّسة ويدعمون إسرائيل في جرائمها ضد الفلسطينيين. ولا يحتاج المرء إلى أن يكون أصولياً متشدداً، أو إرهابياً، لكي يدرك روحية التعاطف مع هذا الخطاب، ولكي يشكك في الخطاب الآخر الذي يردد أصداء السلطة.
والأصل، في المعضلة الراهنة كما في سابقاتها، أنّ رمال المملكة متحركة تحت أقدام المؤسستين؛ وهكذا يلوح أنها سوف تبقى، منذرة بأكثر من «انتفاضة بريدة» واحدة!
٭ كاتب وباحث سوري يقيم في باريس