ضربتين في الرّاس يدوّخو…
صالح التيزاوي
ما كاد أنصار الثّورة التي شكّلت حلم أجيال وراء أجيال يفيقون من هول الصّدمة الأولى: تعيين وزراء من الحقبة النّوفمبريّة في حكومة الشّاهد. وما تركه ذلك من شعور بالمرارة حتّى اجتاحت نفوسهم صدمة ثانية ليست بأخفّ من سابقتها تمثّلت في تمرير “قانون المصالحة الإداريّة”.
أيّا كانت مسوّغات تمريره، ومهما كانت الإكراهات التي فرضت ذلك، فإنّ هضم ما حدث يبقى عسيرا على نفوس حلمت بعد الإطاحة بنظام المخلوع بتصفية آثار الإستبداد وحسم الأمر لصالح الثّورة واستحقاقاتها وفاء لمن قنصهم نظام الفساد والإستبداد ورووا بدمائهم الزّكيّة شجرة الحرّيّة. ندرك حجم المؤامرات التي التي دبّرت للثّورات العربيّة، وندرك حجم الإمكانات الماديّة التي رصدت لتخريب الرّبيع العربي، وندرك أنّ الثّورة المضادّة بلغت شراسة لا حدّ لها وجنونا غير متوقّع من أجل العودة بأنظمة الفساد، والإنتقام من صنّاع الثّورة.
هذا كلّه وأكثر ربّما كان حاضرا في البال أثناء تمرير القانون المذكور. ورغم ذلك كلّه فليس من الهيّن تقبّل ما وقع بسهولة. وأكبر هواجس الثّورة أنّ النّظام القديم أخذ يتحكّم في المشهد شيئا فشيئا بما يهدّد بعودة الدّكتاتوريّة في ظل تنامي الحديث عن تعديلات دستوريّة تتيح تجميع السّلطات في قبضة من يحتطب له نداء تونس… ويوفّر له مناخ السّلطة المطلقة.
ومن المخاوف المشروعة أنّ القانون المذكورة في ظاهره يتعلّق بالمصالحة الإداريّة فقط من “زلّت بهم القدم” ممنّ نفّذوا أوامر وتعليمات، ولكنّه أثناء التّنزيل قد يتّسع للفاسدين. من قيل عنهم من المشمولين بالعفو “موظّفون وأشباه موظّفين” لا يقلّون خطورة ولصوصيّة عن ناهبي المال العام لأنّهم ارتكبوا جريمتين: خيانة الأمانة ومساعدة اللصوص على نهب المال العام. ألم يقل الرّسول الكريم “الدّالّ على الخير كفاعله والدّالّ على الشّرّ كفاعله”. فلماذا يمنحون العفو؟ أليس السّجن أولى بهم؟ ثمّ أليس من الخطير أن يبقوا مزروعين في مؤسّسات الدّولة ؟ مثلهم “كشجرة خبيثة”…
ولم نسمع أنّ احدهم عبّر عن ندم أو قدّم شهادة تساعدنا على فهم ما جرى طيلة حقبة الإستبداد. بل إنّ اكثرهم مازالوا يستخفّون بعقول النّاس ويتحدّثون عن كفاءتهم في إدارة الدّولة… وعن هيبة الدّولة… الدّولة النّاجحة لا تدار بعقليّة “المافيات” و”العصابات”.
بعض أحبابنا ممّن نكنّ لهم الإحترام كتبوا بعد تمرير القانون المذكور: كنّا نتمنّى أن لا يمرّ… ولكنّه مرّ… ولهم نقول بكلّ محبّة وتقدير متفّهمين دوافعهم إلى ما كتبوا وقالوا… “ما نيل المطالب بالتّمنّي… ولكن…”.