سياسة النّهضة
سامي براهم
أختلف مع حزب النّهضة في قائمة طويلة من المسائل النظريّة والعمليّة التي يعلمونها هم “النهضويّون” عنّي، ويعلمها من قرأ كتاباتي وواكب محاضراتي.
ولكن ما ألاحظه في هذا الوضع الذي يتّسم بانقسام شركاء النضال ضدّ الاستبداد قبل الثّورة وتشتّتهم وضعفهم وباختلال موازين القوى لصالح من كانوا جزءً من المنظومة القديمة منذ أن بوّأهم اعتصام الرّحيل وجبهة الإنقاذ موقع القيادة ووهبهم الشرعيّة وعبّد لهم الطّريق بقطعه على آخرين، وكذلك المعطيات الدولية والإقليميّة التي تستهدف الربيع العربي برمّته… ما ألاحظه أنّ سياسة حزب النهضة قائمة على التّخفيف بأقصى قدر ممكن من تبعات هذا الوضع ومحاولة كبح جماحه وفرملة نسقه المتسارع ومحاصرة أضراره.
قانون المصالحة نموذج لذلك حيث عملت منذ الإعلان عنه إلى الضّغط من أجل تعديله بالشكل الذي يفرغه من الفصول التي تعبّر بشكل فجّ عن التواطؤ مع الفاسدين المباشرين، فتحوّل من قانون للمصالحة الاقتصاديّة إلى قانون للمصالحة الإداريّة بتعديلات جوهريّة تقصره على فئة قليلة ممّن قاموا بتجاوزات يستفيد منها غيرهم في إطار تطبيق تعليمات، هذا ما قدرت عليه النّهضة في ظلّ المعادلة السياسيّة التي اختارتها طوعا أو كرها مهما كان تقييمنا لها.
سواء كان هذا السّلوك السياسي مدفوعا بالانتهازيّة أو الخوف على الوجود أو برغبة البقاء في الحكم أو من منطلق وطنيّ فهو سلوك سياسي “إيجابي” نسبيّا يتصرّف في الهامش الذي يسمح به وضعها في ظلّ موقعها بين معارضة تشيطنها وشريك حكم يبتزّها ووضع إقليمي ودولي متربّص بها.
نختلف مع النّهضة التي كانت في انتظارات الكثير من أنصارها وناخبيها ضمير المسار الثوري والحامي المفترض له، ولكن لا نقيّم أداءها إلا في سياق تقييم كلّ الحراك السياسي لما بعد الثّورة برمّته وأداء كلّ مكوّن من مكوّنات المنظومة السياسية ودوره ومسؤوليته عمّا آل إليه المسار الثوري والتّأسيس الديمقراطي.