“الكرّاي” في “سقطة” جديدة ولن تكون الأخيرة
صالح التيزاوي
انضمّت “الكرّاي” إلى جوقة المطالبين بتأجيل انتخابات هي أصلا مؤجّلة منذ ستّين عاما، حيث لم يسبق للتّونسيين أن شاركوا في انتخابات محلّيّة تعدّديّة منذ فجر الدّولة الوطنيّة تحت حكم الحزب الواحد طوال الحقبتين: البورقيبيّة والنّوفمبريّة. أغلب المطالبين بالتّأجيل تتّجه أنظارهم إلى رئاسة الجمهوريّة ممّا جعل الأمر يبدو وكأنّه مناشدة. في ما مضى محترفو المناشدة كانوا يناشدون المخلوع إلى التّرشّح لولاية جديدة كلّما انتهت ولاية سابقة حتّى حكمنا طيلة ربع قرن. أمّا اليوم فإنّ المناشدة تستهدف تعطيل الإنتخابات قطعا للطّريق على الحزب الذي يبدو حسب زعمهم أنّه أكثر الأحزاب استعدادا للإستحقاق الإنتخابي.
من يستمع إلى صراخهم وهم يطالبون بالتّأجيل يخيّل إليه وأنّ لنا تقاليد عريقة في الإنتخابات المحلّيّة التّعدّديّة ولسنا على عتبة أوّل انتخابات. هل يريدون للبلاد أن تبقى في حالة الفوضى الدّائمة والكوارث البيئيّة الدّائمة؟ ليست المرّة الأولى التي “تسقط” فيها “الكرّاي” وتجانب الصّواب، ولن تكون الأخيرة. لقد سبق لها أن قالت في العام الماضي وفي أحد “البلاطوهات التّلفزيّة أنّ “أنجيلا ميركل” (ما تفهمش في السّياسة). (فمّاش تزليط أكثر من هذا). إذا كانت “ميركل” زعيمة الدّولة الأقوى اقتاصاديّا في أروبا لا تفهم في السّياسة فمن يفهم فيها إذا؟الكرّاي وأخواتها من جوقة المطالبين بتأجيل انتخابات (إن تمّت)، فستكون الأولى في تاريخ البلاد. لقد قالت ذلك على خلفيّة احتضان ألمانيا للّاجئين السّوريين الهاربين من براميل الأسد واسلحته الكيمياويّة. يبدو أنّ هذا الموقف الإنساني لم يرق للسّيدة الكرّاي فاعتبرتها لا تفهم في السّياسة. موقف جعل نخب “الحداثة المغشوشة” في بلادنا عارية من كلّ القيم. نخب لا ترحم ولا تترك رحمة الله تتنزّل على عباده. وحتّى المستشار “هلموت كول” موحّد الألمانيتين لم يسلم من الإنتقاد لأنّه (ضرب أربعة عشرا عاما يحكم ألمانيا) على حدّ زعم “الكاتبة الصّحفيّة” و”المحلّلة السّياسيّة المذهلة”. يا له من “مستبد”… يا “كرّاي” إن بقي المستشار تلك المدّة التي ترينها طويلة، فقد وحّد دولتين، وبنى اقتصادا قويّا ودولة عظمى يحلم شبابنا بالهجرة إليها، فماذا صنع لتونس من حكموها ستّين عاما؟ وما هي إنجازاتهم التي تركوها؟ خراب اقتصادي، مديونيّة لا ندري فيما أنفقت، خدمات متدنّية في التّعليم وفي الصّحّة وفي النّقل… ولن أذكّرك بالسجون وملاحقة أصحاب الرّاي وتحويل الوطن إلى معتقل.
أعرف أنّ كلّ هذا لا يعنيك… لأنّك كنت في مامن من طائلته. ورغم ذلك فلقد كانت المناشدة و”تطوير عمليّة المناشدة” لصانع الخراب على أشدّها عندما تقبل مواسم الإنتخابات المزيّفة، كما حداثتكم المغشوشة. والآن بعد ان منحتنا ثورة الحرّية والكرامة فرصة تاريخيّة للتّخلّص من إرث الإستبداد ولتتطهّروا من رجسه لأنّكم كنتم أدواته، استكثرتم على شعبكم أن يمارس الحكم المحلّي مدفوعين پأنانيّة مفرطة وأحقاد لا مبرّر لها، وأطماع كان يؤمّنها نظام الإستبداد.
فالوطن أصبح يتّسع للجميع وحقّ المنافسة على خدمته مكفول للجميع. فلماذا الكراهيّة؟ لم يعد يهمّنا من يربح أو يخسر من الأحزاب… فقط نريد حياة سياسيّة نظيفة خالية من التّلوّث النّوفمبري ومن دسائسه ومؤامراته. ونريد انتخابات بلديّة تنقذنا من تلوّث بيئي خانق.